المحليات

واحة النفس.. التفكير في المستقبل

الناس جميعًا -إلا من رحم الله- يكدّون ويتعبون ويضحون بالكثير من راحتهم مِن أجل أولادهم وأسرهم، ولا يكتفون بتوفير احتياجاتهم المعيشية فقط، بل يعملون على تأمين مستقبلهم أيضًا ظانين أن أفضل وسيلة لذلك هي جمع أكبر قدر من المال، وبناء الدور وشراء الأراضي، مع أن الواقع المشاهد لا يؤكد هذا بل غالبًا ما ينفيه، فكثيرًا ما كان المال الذي تركه الأبوان لأبنائهما سببًا في انحرافهم بل وفقرهم، قال تعالى: «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف خبير» الملك 14.
فالله عز وجل هو الذي خلقنا من العدم وأعطانا من النعم ما لا تُعد ولا تحصى، وهو سبحانه الذي أخبرنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن تأمين المستقبل للأولاد في الدنيا والآخرة لا يكون إلا من خلال طريق واحد ألا وهو طريق الصلاح والتقوى وحسن الصلة به سبحانه وتعالى: «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولًا سديدًا» النساء 9.
فالتقوى مدرسة ربانية تصل العبد بخالقه، وتفتح أمامه أبواب الترقي وتمنحه فرص السمو والرفعة، والتقي يطلب المكانة الحقة عند الله تعالى، ولا يأبه لأعراض الدنيا ومنازل الناس فيها، وما تغري به ذوي الشهوات والأهواء، والتقي لا يرضى في أي حال من أحواله أن ينحرف قيد أنملة عن الصراط المستقيم، فهو يدعو كل يوم سبع عشرة مرة (في الصلوات الخمس) أن يهديه الصراط «اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» الفاتحة7.

ولقد تكفل الله عز وجل لكل من انتسب إليه وصار من أوليائه بحمايته وكفايته ونصرته، قال تعالى: «إن عبادي ليس لك عليهم سلطان» الإسراء 65، وقال تعالى: «أليس الله بكاف عبده» الزمر 36، فأولياء الله لا يخافون إذا ما خاف الناس، ولا يحزنون إذا ما حزنوا، فلماذا إذن الخوف من المستقبل ما دمت في معية الله وفي حماية ملك الملوك، ألم تقرأ قول الله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» يونس 12، أما الذي هو بعيد عن طريق الله تعالى فيشعر كأنه مثل اليتيم في هذا الكون ليس له صلة بمالك الملك ومدبر الأمر، فمن الذي ينصره من بعده؟.
إن الدخول في حمى الله ومعيته، والاستمتاع بمقتضيات تلك الحماية من سكينة وطمأنينة وراحة البال، وعدم الخوف من المستقبل أو حزن على ماض، وفي هذا يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: «فمن قام بحقوق الله عليه فإن الله يتكفل بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة، ومن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فعليه أن يرعى حقوق الله عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره فلا يأتي شيئًا مما يكرهه الله منه، واعلم أن السير في طريق الله هو الوحيد الذي يحصل على المستقبل لك ولأهلك وأولادك، وطريق الله هو الوحيد الذي يحصل صاحبه على الثمار العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، وهي الوسيلة الوحيدة لتحصل السعادة بمعناها الحقيقي، وسكينة النفس وراحة البال والرضا والطمأنينة».

 

 

منهج النبي في تعديل السلوك عند الغضب

 

التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية لكي ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها وأخلاقها.. وأيضًا لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية متعددة، ويتفادى كثرة التصادم والاحتكاك والذي يحصد -بسببه- خصومات وعداوات كثيرة.
يتصدر الغضب وسرعة الانفعال قائمة العوامل المسببة للاضطرابات النفسية والتشوش الذهني وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية، وهو أيضًا من أهم أسباب اختلال التوافق واللياقة النفسية والاجتماعية، وهناك حقيقة لا تقبل الجدل تقول: «لا ينال العلا من كان طبعه الغضب» فالغضب لا يفرز إلا الضغينة والحقد، وهو نار تحرق العقل وتسحق البدن وتصيبه بأمراض لا حصر لها. ويتفق معظم علماء النفس على أن الغضب ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي، ولكن عندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فإنه سوف يعاني من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني والبدني وفقد الرغبة في الاستمتاع بالحياة، مع بعض الأعراض الاكتئابية.

والغضب مثل البخار المضغوط في إناء محكم إذا لم يجد منفذًا لخروجه فإنه يصيب الفرد بمرض أو أكثر من تلك المجموعة المسماة بالأمراض (النفس- جسمية) مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبي والصداع العصبي المزمن .. إلخ ، ويعبر البعض عن ذلك بأن الغضب إذا لم يخرج فسوف يستقر في أحشائك.
وللرسول صلى الله عليه وسلم منهج فعّال لتعديل السلوك في حالات الغضب يتضمن عدة طرق وأساليب ناجحة نذكر أحدها وهو يهدف إلى طرد الأفكار الخاطئة المثيرة للانفعال أولًا بأول، بتكرار وترديد بعض الآيات الكريمة «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (المائدة 13) «وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (الشورى 43)، وقوله صلى الله عليه وسلم «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» وأن يحاكي ويقلد الثبات والقوة النفسية والحلم في نماذج الأنماط السلوكية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومنها أنه كان يومًا يمشي ومعه أنس بن مالك رضي الله عنه، فأدركه أعرابي فجذبه جذبًا شديدًا وكان عليه برد غليظ الحاشية، قال «أنس» رضي الله عنه: «حتى نظرت إلى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبه» فقال: «يا محمد هب لي من مال الله الذي عندك» فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك ثم أمر بإعطائه ومنع الصحابة من التعرض له، ولما أكثرت قريش إيذاءه قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» وعفا عنهم جميعًا، تلك هي أعظم درجات القوة النفسية ودلالة اكتمال العقل وانكسار قوة الغضب وخضوعها التام للعقل والحكمة.

 

 

أعاني من الخوف والقلق

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من القلق والخوف المفاجئ وقلة النوم وومضات الأفكار السريعة وتزداد الأعراض خصوصًا قبل النوم
الرجاء الإفادة، شكرًا لجهودكم.
أخوكم/‏‏ فراس.
– الإجابة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل فراس حفظك الله ورعاك، كما أشكرك على تواصلك معنا.
الشيءُ الذي تُعاني منه هو ما يُسمى في مصطلحِ علمِ النَّفس ب «الفوبيا أو الخوف»، والخوفُ درجات، فقد يكونُ بسيطًا، أو متوسطًا، أو شديدًا، بالإضافةِ إلى أنَّ الخوف أنواع، ومنه ما ذكرته أنت في رسالتك، وهو الخوف والقلق، والأفكارُ الوسواسية وهذا كله بسببِ الخوف الذي ينتابك بين الحينِ والآخر، وجعلك تفكرُ كثيرًا، وحالتك النفسية غير مستقرة، ويُسبِّبُ لك الأرق بالليل.
ومعروفٌ أنَّ مرضَ الفوبيا هو مرضٌ نفسي، والمقصودُ به: الخوفُ الشديدُ المتواصل من مواقف، أو نشاطات، أو أجسامٍ معينة، أو أشخاص، وهذا الخوفُ الشديدُ والمتواصل يجعلُ الشَّخص المصابَ عادة يعيشُ في ضيقٍ وضجر.
الفوبيا أو الخوف الذي تُعاني منه يحتاجُ إلى علاجٍ روحيٍ إيماني وسلوكي، أكثرُ منه علاج دوائي، وأقصدُ هنا بالعلاجِ الرُّوحي الإيماني هو: تقويةُ علاقتك بالله سبحانه وتعالى، والتمسك بحبلهِ، وعدم اللجوء إلَّا إليه، ويكونُ عندك يقينٌ تامٌ أنَّ النَّافعَ والضَّار هو الله، وأنَّ كل شيءٍ مقدَّرٌ بأمره، فاطمئن، ولا تخاف، ولا تحزن، وغيِّر هذا الحزن بالفرحِ، والخوف والقلق بالاطمئنانِ والرَّاحة.
كذلك أنتَ بحاجةٍ إلى علاجٍ سلوكي، وهناك خطواتٌ يمكنُ لك اتباعها من أجلِ الخروج من أزمتك هذه، وهي كالآتي:
1- عدمُ إرسال رسائل سلبية فيها الخوف والتردد إلى عقلك الباطني، فكلَّما برمجت نفسك على الخوفِ من الشيءِ الذي أمامك؛ بالفعلِ ستحدثُ لك أعراضُ الخوف، من خفقانٍ، وجفافِ الحلق، وكثرة رجفان في اليد، وستنفذه في عقلك الواعي.
2- مارس التَّمارين الرياضية؛ فهي علاجٌ نفسي وجسدي، وتعطيك راحة واطمئنانًا، وتُخفف من آلام القولون.
3- إذا أمكنَ أن تستغلَ وقتَ فراغك بما يعودُ عليك بالفائدة؛ فالفراغ قد يتعبك ويجعلك تعيش في خوف وتوتر، فأشغل نفسك ولا تترك وقتك يضيع سدى.
4- لا تنس أن تقرأ أيضًا الدعاء الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابنا الأرق، قل: (اللهم غارت النجوم وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سِنة ولا نوم، أهدئ ليلي وأنِم عيني).
وبالله التوفيق.

 

 

 

– تجاهل الناس الذين يرددون كلمة مستحيل.
– بقدر ما تركز مجهودك في موضوع ما تحقق النجاح المطلوب.
– رؤيتك السلبية لنفسك بسبب فشلك في الحياة والنظرة الإيجابية تدفعك دائمًا للنجاح.
– ما تخاف منه قد يحدث لك إذا استمررت في التفكير فيه.
– لا تقارن نفسك بالآخرين وخصوصًا الفاشلين.

 

 

 

– من سعادة العبد أخذ الحيطة واستعمال الأسباب مع التوكل على الله عز وجل.
– من سعادة العبد قدرته على كسب الناس واستجلاب محبتهم وعطفهم.
– إياك والحقد على الناس وحب الانتقام منهم وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله».
– إن ضجة الحياة وبلبلة الناس وتشويش الآخرين كفيل بإزعاجك، وهدّ قواك وتشتيت خاطرك وليس لك سكينة ولا طمأنينة إلا في كتاب ربك وذكر مولاك.
– السعادة سلوة خاطر بحق يحمله، وانشراح صدر لمبدأ يعيشه، وراحة قلب لخير يكتنفه.

 

 

 

 

 

 

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X