
بقلم/ عماد حفني:
حين دخلَ موسى عليه السلام -قبلَ النبوة- المدينةَ (قالوا إنها مصر) على حين غفلةٍ من أهلها وجدَ فيها رجلينِ يقتتلانِ (الرجل الأول من بني إسرائيل -وهُم قوم موسى عليه السلام- أما الرجل الثاني ففرعونيُّ، لأنّ الفراعنة كانوا يعادون بني إسرائيل ويضطهدونهم). «فاستغاثهُ الذي من شيعتهِ على الذي من عدوّه» فتدخّل موسى لصالح اليهوديّ، وضرب القِبطي «فقضى عليه» وكان يقصد الضربَ ولم يقصد القتلَ. ثم أدركَ أنّ اليهوديَّ من أهل الانحرافِ وإثارةِ المشكلات. وعرف أنّ ما كانَ منه هو تسويلٌ من الشيطان. «قال ربِّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي فغفرَ له»، فموسى، عليه السلام -وهو لم يبعث رسولًا بعد- يُقرُّ بذنبه ويتوب منه، ويسأل الله تعالى أن يغفر له. ثم «قالَ ربِّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكونَ ظهيرًا للمجرمينَ» فكان وقّافًا عند الحق ولا ينصر الباطل، ولو كان ذا قُربى. «فأصبحَ في المدينةِ خائفًا يترقّبُ فإذا الذي استنصرهُ بالأمسِ يستصرِخُهُ» وتكرر الحدث وتبيّن أنّ الرجلَ اليهوديَ من أصحابِ المشاكل. لا يكتفي بالاستغاثة بل بالصراخ، وهذا النوعُ من الناس غالبًا ما يُوَرّطون أهل الشَّهامة والنَّجدة. «قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» إذنْ هي توريطٌ جديد، لم يكن ليَخيل على نبي الله –قبل نبوَّته- والمؤمن لا يلدغ من جُحر مرتين. والغَوي: هو شديدُ الغِواية، والغِواية هي الضلالُ وسوءُ النَّظر، ومُبين: أي بَيّن، وغويٌّ: ظَالِم وَمُمْعِن فِي الضَّلاَلِ، وهذا المعنى بعيد عن كلمة (لُغوي) وهو كل مَنْسُوب إِلَى اللُّغَةِ، واللُغَوِيٌّ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعَالِمُ بِها، والمدقق اللُّغوي هو الشخص الذي يقوم بمراجعةِ النصوصِ وتصحيحِها، والتأكدِ من خلوِّها من الأخطاءِ اللغويةِ والنحويةِ والإملائيةِ. والبعضُ ينطِقُها خطأً (لَغَويّ- من اللَّغو) أقول هذا الكلام وأتذكر صديقي محمد عبد الرحمن الحلو، الذي كان مُحبًا للتحدث باللغة العربية الفصحى (ولم يكنْ لهُ فيها باعٌ طويل) لكنه أدمَنَ مشاهدَةَ أفلامِ الكرتون التي تُعرض للأطفال، وكان يلتقط بعض الكلمات من قبيل (الطعامُ جاهز، وهيا يا ماجد اركل الكرة بكلتا رجليك!) فكان يعجن قواعد النحو عجنًا، لو علم به سيبويه لطالبَ بالقصاص، وكنت كثيرًا ما ألفت نظره لبعض الأخطاء، وفي مرة -وهي بالتأكيد ستكون آخر مرة- أعجبه تصويبي لخطأ عندَه ، فقال لي مُثنيًا: إنك لَغَويٌ مُبين! فأسررتها في نفسي وتمتمتُ: اللهم بقلبه لا بلسانه! وتذكرت عمَّنا مصطفى لطفي المنفلوطي في قوله: لقد أساءَ حيثُ قصدَ الإحسان.