
تَفصلُنا أيامٌ معدوداتٌ عن بدايةِ العام الدراسي الجديد، عام ننظرُ إليه نحن وأبناؤنا وكلنا أمل وتفاؤل بالنجاح وتحقيق الإنجازات المشرفة لنا وللوطن الغالي، مع العلم بأنَّ عملية العودة إلى المدارس بعد فترة الانقطاع الطويلة تتطلب تهيئة نفسية ومعنوية؛ حتى يكونوا مُستعدين جيدًا للعودة إلى مدارسهم مع بداية العام الدراسي الجديد.
وعمليَّة التهيئة النفسية والمعنوية هي مسؤوليَّة مشتركة بين الأسرة والمدرسة، فكلتاهما لهما دور كبير وإيجابي في عملية التحول والانتقال من فترة الإجازة التي تتميز بالاستقرار النفسي وراحة البال، إلى مرحلة الدراسة التي فيها نظام ومسؤولية والتزام واستيقاظ مبكر، فالمدرسة تلعب دورًا أساسيًا في التهيئة النفسيَّة للطلبة وتنمية الاتجاهات الإيجابية تجاهها، وتكوين علاقة جيدة بينها وبين الطالب، والتكيُّف مع البيئة المدرسية.
وبموجب ذلك ينبغي على الأهل أن يعملوا فيما تبقى من وقت على تهيئة أبنائهم للعودة إلى المدارس الأسبوع المقبل، فهناك العديد من الخطوات البسيطة والمهمة التي يجب أن يقوم بها الأهالي ليجعلوا من العودة للدراسة أمرًا ممتعًا للطلاب وليس العكس، أهمها تعويد الأبناء على النوم باكرًا، فالكثير من الطلبة كانوا يستغلون فترة الإجازة الطويلة في السهر مع الألعاب الإلكترونية مثل «السوني» وغيرها؛ لذا يجب أن ننوِّه بضرورة ضبط الساعة البيولوجية للطالب من خلال تعويده على النوم المبكر والاستيقاظ المبكر.
ومن واقعِ خبرتِنا الأكاديمية في مجال التدريس نوضحُ للأهالي وأولياء الأمور أنَّ لكل مرحلة عمرية استعداداتِها، وطريقةَ التعامل الخاصة بها، فالطفل في المرحلة الابتدائية نتعامل معه بالتوجيه المباشر «اعمل افعل»، أما المراحل الأخرى الإعدادية والثانوية فيكون في مرحلة المراهقة، وهو يريد أن يفرض رأيه، ويمتاز بالعناد، فيجب التعامل معه من منطلق أنك قادر على عمل الأشياء، ولكن عليك اختيار الطريقة المناسبة لذلك.
ويجب على أولياء الأمور كذلك تهيئة الطلاب بمساعدتهم لوضع جدول دراسي، ومتابعة ما تعلموه، والتواصل مع المدرسة والمُختصين الاجتماعيين للتدخُّل السريع في حالة وجود أي مشكلة، واختيار نوعية الأكل المناسبة لكل فئة عمرية، بحيث تكون الوجبة صحيَّة، إلى جانب تقديم وجبة العشاء لهم في وقت مبكر حتى لا يشعروا بالإزعاج عند النوم.
كما يجب أن تتكاتف الأسرة مع إدارة المدرسة في مساعدة الأبناء على التأقلم مع متطلبات اليوم الدراسي، وإظهار الوالدين سعادتهما بالعودة إلى المدارس بعد فترة الإجازة وليس العكس، حتى لا يؤثر ذلك على نفسية الأبناء، وعدم توجيه اللوم للأبناء الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على درجات مُرضية في العام الدراسي المنصرم، ويجب ألا تكون عبارات التشجيع والتحفيز مقتصرة على الطلاب فقط، وإنما تمتدُّ لتشمل الكادر التدريسي كذلك، بإرسال رسائل شكر تحتوي على عبارات تحفيزية متنوِّعة للمُعلمين والمُعلمات، تثني على الجهود المميَّزة التي بذلوها، وتحثهم على مواصلة التميُّز والإبداع، في أداء رسالتهم التربويَّة في تعليم أبنائنا الطلاب لبناء مُستقبل مُشرق لوطننا.
ومن المفترض ألا يقتصر دور المنظومة التعليمية المتكاملة على تحقيق الهدف التعليمي فحسب، وإنما يجب عليها أن تسعى وتجتهد في مسألة تنمية الطالب فكريًّا وتربويًا أيضًا، بحيث تقومُ هذه المنظومة، بما تشمله من كوادر تدريسية، ومناهج تعليمية، وبيئة مدرسية وأساليب تربوية، بخدمة العنصر الأساسي المتمثِّل في (الطالب)، وغرس القيم والمبادئ الإيجابية فيه، وإكسابه المعلومات والمعارف، والسلوكيَّات السليمة والمهارات، التي تعينه في المستقبل، وذلك من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة المنظَّمة والهادفة، وبالتعاون البنَّاء بين المجتمع المدرسي من جانب وأولياء الأمور من جانب آخر.
والله ولي التوفيق
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر