سطور شاردة.. لِمَ الأدب؟
جمال المظهر والملبس مطلوبان ومرغوبان لكن ليس على حساب العلم والأدب وحُسن الأخلاق

يحيل مفهوم الأدب في اللغة العربية إلى معنيين رئيسيين، أولهما قديم من التأديب أي التربية وحسن الخلق وسدادة الفعل وجمالية القول. أما الثاني فهو حديث شيئًا ما، ويحيل لكل ما كتب أو قيل من شعر ونثر وحكم. وكلا التعريفين يتقاطعان ويجتمعان في معنى نبيل وهو حسن المرء في قوله وفعله.
ولهذا نجد مجموعة كبيرة من الأقوال والحكم والأبيات التي قيلت في الأدب وأهميته للصغير كما للكبير، وفي الترغيب فيه والدعوة إليه.
قال بعض الحكماء: «ثلاثٌ لا غُرْبَةَ معهنَّ: مجانبة الرّيب، وحسنُ الأدب، وكف الأذى».
وقال عمرو بن العاص لدهقان نهر تِيرَى: بم ينبل الرجل عندكم؟ فقال: «بترك الكذب؛ فإنه لا يَشْرُفُ إلا من يوثق بقوله، وبقيامه بأمر أهله؛ فإنه لا ينبل من يحتاج أهله إلى غيره، وبمجانبة الرّيبِ؛ لا يَعِزُّ من لا يُؤمَنُ أن يُصادَف على سَوأة، وبالقيام بحاجات الناس؛ فإنه من رُجي الفَرَجُ لديه كَثُرتْ غاشِيتهُ».
وكان يقال: «عليكم بالأدب، فإنه صاحبٌ في السفر ومؤنس في الوحدة وجمالٌ في المحفل، وسبب إلى طلب الحاجة».
إلى غيرها مما قيل عن قيمة الأدب وأهميته في الحياة الاجتماعية والشخصية للفرد. فهو زينة للإنسان وقيمة مُضافة له في الحل والترحال، في حديثه وخطاباته. فعلم الإنسان وفصاحته يقاسان بأدبه وسعة معرفته ومدى إبحاره في أصناف الأدب، وفي امتثاله لما يقوله وحسن أفعاله.
فالميزان الحقيقي لقيمة الإنسان في أدبه وأخلاقه وفي اتساع معرفته، وفي هذا يقول إمامنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الأدب لا يُباعُ ولا يُشترى، بل هو طابع في قلب كل من تربّى فليس الفقير من فقدَ الذهب وإنما الفقيرُ من فقدَ الأخلاقَ والأدب».
فما نراه اليوم ونسمعه صباح مساء من ميوعة بين شبابنا، ومن اختلال لموازين القيم والأخلاق في مجتمعاتنا، وركاكة وإسفاف فيما يُعرض على الشاشات والمواقع، مردّه لفقدان أهم بوصلة في الإنسان وهي الأدب، فلا التربية موجودة ولا الفكر والثقافة الصحيحان لا يزالان يتداولان بيننا. فالشباب اليوم، إلا مَن رَحم ربّي، صار كما قال عز وجل: «إِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ» فالأجساد منمّقة مفتولة طويلة عريضة، لكن فقط خشب مسندة فارغة خاوية على عروشها. فما أن يتكلم الذي بداخل تلك الأجساد حتى يصدمك بسطحية غريبة وجهل عميق.
هي الصورة النمطية الاستهلاكية التي أرادها لنا الغرب وخطط لها الأعداء، بأن يجعلونا نسخًا ممسوخة بلا هُوية ولا أدب ولا علم.
نعم، لا شك أن جمال المظهر والملبس مطلوبان ومرغوبان، لكن ليس على حساب العلم والأدب وحُسن الأخلاق والأفعال، فكما يقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه: «لباسك يرفعك قبل جلوسك. وكلامك يرفعك بعد جلوسك». فملابسك وممتلكاتك تعطيك مكانة للجلوس وتمنح لك آذانًا للاستماع، لكن إن لم يكن لك علم ولم تحظَ بنصيب مهم من الأدب، فلن ترفع لك قيمة في المجامع والمحافل، وسرعان ما ستسقط قيمتك بين معارفك والمُستمعين لك.
ولعل أفضل نصيحة لي ولك أخي القارئ العزيز، أختم بها هذه المقالة ما قاله النابلسي رحمه الله:
كن على الصدق مقيمًا والأدبْ والزم العلم بفهم وطلبْ
واتق الله بقلب خاشع واجتنب ظلمة أنواع السبب