المحليات

واحة النفس…صفحة متخصصة في الطب النفسي

إطلالة: واجبنا تجاه المسنين

اتَّخذَ العالمُ مطلعَ شهر أكتوبر يومًا عالميًا للمُسنين، فهل يكفي يومٌ واحدٌ في السنة لتكريم ﻫذه الفئة التي كرَّست حياتها كلها لخدمة أهلها ومُجتمعاتها؟ وكيف كرَّمها الدين الإسلامي واهتمَّ بها ؟

تعتبرُ الشيخوخةُ مرحلةً أخيرة يختم بها الإنسانُ رحلةَ حياتِه قبل التحاقه ببارئه، وهي أصعبُ مرحلةٍ يجتازُها الفردُّ لما يتخللها من الضعف والهوان، فهي مُقترنة بالاستهلاك التدريجي للأعضاء وبالتغيرات الحيوية التي تطرأ على الجسم، فالمُسنُّ يُعاني من ضعف جسمي عام في الإحساس، والعضلات والعظام، وينعكس ذلك أيضًا على الجانبَين النفسي والاجتماعي. كما أنَّ حالته النفسية تكون متوترة جدًا، حيث يؤثرُ ذلك على علاقاتِه الاجتماعية، إذ يصعب عليه التكيف والتوافق مع مُستجدات الحياة، ومع عدة أجيال، قال تعالى« ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون» سورة يس، الآية: 68. ومع كل ﻫذه المُعاناة فإنَّ المسن يتميز بنضوجٍ علمي، وثراء فكري، وخبرة ذاتية واسعة، حيث إنه يفهم الحياة فهمًا واقعيًا، وينظر إليها نظرة علمية، ﻟذا نجد خيرَ إنتاج كبار العلماء في مرحلة الشيخوخة، فيا حبذا لو استثمرت مهاراتهم فيما يعود على المجتمعات بالخير، لكنَّ التهميش الذي تتعرض له هذه الفئة يحرم الأمم من خير كثير، هي في أمسِّ الحاجة إليه. التكريم الإلهي وسام شرف، نفخر به أمام من جحد وأنكر هذا الدين الكريم اﻟذي لم يستثنِ من تكريمه شيخًا ولا عجوزًا، بل أعطى هؤلاء من الحقوق ما لم يعطِ لغيرهم، وشدد على تطبيقها حتى لا تضيع ﻫذه الفئة المغلوبة على أمرها، فالمُسنون هم آباؤنا أو أمهاتنا أو أجدادنا، وقد عظَّم الله سبحانه وتعالى حق الوالدين في القرآن الكريم، وقرنه بأعظم الحقوق ألا وهو حق رب العالمين، قال عزَّ من قائل: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغنَّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا»، سورة الإسراء الآية: 23. اقتضت العنايةُ اﻹلهيةُ ألا ترضى للمُسن دون مقام الإحسان، والإحسان يتطلب مراعاة الرقابة اﻹلهية، والإتقان في كل صغيرة وكبيرة، ومن الإتقان في المُعاملة ما يحيلنا عليه رب العالمين من النهي عن التأفف، والتأفف هو أول مراحل الضجر والقلق، وبالتالي يكون هذا النهي حصنًا حصينًا يقي المُسن من أي سوء، وذلك مصداقًا لقوله تعالى :«واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا» الإسراء الآية: 24. ورسَّخت السنة العطرة ﻫذا المعنى في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، بأقوال الرسول الحبيب، وبأفعاله، فقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم» رواه أبو داود. بل الأكثر من ذلك أن قرن الرسول- صلى الله عليه وسلم- الإحسان إلى المسن بمصير كل واحد منا، فمن منا لا يخشى تلك المرحلة، بل هناك من يحسب لها ألف حساب، ﻔلهذا وذاك يقول الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: «ما أكرم شاب شيخًا لسنه- أي في شيخوخته- إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه»، رواه الترمذي.

نفسيات: الصحة النفسية لدى المسنين

 إنَ الشيخوخة تقترنُ بالاستهلاك التدريجي للأعضاء والتغيرات الحيوية التي تطرأ على الجسم والتي ترافق الشيخوخة. وهكذا فإنه من الطبيعي أن يحدثَ هذا التدهور في استهلاك العضلات كمرحلة من مراحل الحياة. قال تعالى: (اللَه الَذي خلقكم من ضعف ثمَ جعل من بعد ضعف قوَة ثم جعل من بعد قوَة ضعفًا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)، الروم الآية: 54. في هذه السن غالبًا ما يحال كبار السن إلى التقاعد، ويتبع هذا أن يفقد الإنسان بعضًا من إحساسه بقيمته في الحياة، خاصة إذا كان إحساسه بذاته مُستمدًا بصورة كبيرة من عمله، كما أنَّ الإنسان يفقد بتقاعده عن العمل إحدى أهم وسائل الاحتكاك الاجتماعي فإن العمل ليس وسيلة للكسب والإحساس بالذات فقط، بل إنه في العمل يلتقي الإنسان بزملاء وأصدقاء، فكثير من الصداقات تتكون عن طريق العمل. بل ويجري في العمل كثير من الأحاديث والمُناقشات والفكاهة والاستماع إلى مشاكل الآخرين واستماعهم لمشاكلك. وتحتاج خدمات الصحة النفسية للمسنين لحسن التوجيه نفسيًا ومهنيًا واجتماعيًا للوقاية من مشكلات منظورة قبل وقوعها أو لعلاج مشكلات قائمة يعاني منها المُسنون، ولا بد لنا في البداية معرفة مميزات الحياة النفسية للمسن، وهي كما يلي:

أهم جوانب حياة المُسن ومميزاتها:

– قد تمتد فترة الشيخوخة عشرات السنين، قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم من طال عمره وحسن عمله.. وشركم من طال عمره وساء عمله».

يعاني المُسن ضعفًا جسميًا عامًا في الإحساس والعضلات والعظام والنشاط الجسمي الداخلي (هضمي وبولي ودموي وجلدي) وضعفًا عامًا في البصر.. وبدء ظهور الترهلات. وأعراض الشيخوخة هذه تظهر على كل إنسان.

نضوج علمي وغزارة وثراء فكري، حيث إنَّ كبار العلماء خير إنتاجهم الفكري في هذه المرحلة (ما بعد الستين). ويكون لدى المسن أيضًا ثراء شخصي بالخبرة الذاتية مع الآخرين حيث يفهم الحياة فهمًا واقعيًا ويدرك الحياة بعيدًا عن الخيال وبواقعية عملية.

صلابة نفسية واجتماعية في الاتجاهات، يصعب معها التكيف والتوافق النفسي للمُسن مع مُستجدات الحياة وما تتطلبه من علاقات وأنماط سلوكية جديدة مع أجيال عدة، وهو ما يجعله يعاني صعوبات التوافق الضروري للحياة الهادئة. قال تعالى: «ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون» سورة يس الآية: 68.

أهم مشكلات كبار السن:

عددٌ كبيرٌ من المسنين عرضة لمشكلات مزمنة ولابد لهم من مُعايشتها بصبر وهدوء للتخفيف من أضرارها، والمشكلات يمكن أن تكون انفعاليَّة وجدانية كالشعور بالفشل أو الإحباط، وهو ما يؤدي إلى أن تغلب على هؤلاء روح التشاؤم. وقد يصل ببعضهم إلى الشك بأقرب المُقربين إليهم، ويكون سلوكهم مُتسمًا بالشك والحذر والحساسية والتأثر الانفعالي. وهناك مشكلات ذهنية فكرية وذلك نتيجة ضعف الحواس وضعف الانتباه وعدم القدرة على التركيز، ما يضعف المدركات، بالإضافة إلى ضيق الاهتمام وإلى ضعف الذاكرة وتشتتها وسرعة النسيان، وهو ما يجعل الفرد يتمركز بشكل محوري في تفكيره حول شيء، الأمر الذي يبدو شبيهًا بالوسوسة أو الهلوسة قال تعالى: «يَا أَيُهَا النَاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَقَةٍ لِنُبَيِنَ لَكُمْ ,وَنُقِرُ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمى ثُمَ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَ لِتَبْلُغُوا أَشُدَكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا»، سورة الحج الآية: 5.

وأما المُشكلات الصحية فإن أمراض الشيخوخة تعتبر أكثر خطورة لضعف مقاومة الجسم لدى المسن وشدة تأثره وضعفه، وهو ما يقلل فرص إجراء جراحات ضرورية لصحته. كما أن ضعف الجسم عمومًا يُظهر لديه أمراضًا ومشكلات جسدية مثل أمراض القلب والشرايين وهشاشة العظام والكسور والأمراض الجلدية والحسية وغيرها، وقد يَظهر لدى المريض توهمٌ بالأمراض وتركيز زائد على الصحة، حيث ينظر للعَرَض البسيط بأنه خطير. قال تعالى: «قَالَ رَبِ إِنِي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِي وَاشْتَعَلَ الرَأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِ شَقِيًا» سورة مريم الآية 4 .

ومطلوب منَّا رعاية المُسن والاهتمام به أولًا بأول في حل المشكلات أو إشباع الحاجات، ولا بد من عمل برنامج نشاط حركي جسمي وذهني عقلي له لمُساعدته على روح التفاؤل ليعيش شيخوخته بأوسع وأكمل شيء ممكن، ولا بد من الاهتمام بالعمر العقلي ومراعاته وكذلك العمر التحصيلي والمستوى الفسيولوجي والانفعالي والاجتماعي والجنسي، فالشيخوخة لا تعد بالعمر الزمني فقط. ويجب تشجيع المُسن على البحث والاطلاع حتى نبقي ذاكرته متنبهة، ونشجعه على تحديد أهداف للمُستقبل يسعى لتحقيقها، ونحثه على السعي لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم من طال عمره وحسن عمله».

 التفكير الإيجابي:

– إذا تعلَّمنا من التجرِبة فقد قمنا بخُطوةٍ صغيرةٍ نحوَ النَّجاح في المُستقبلِ، حيث لن نكررَ هذا الخطأَ ثانية.

– إذا نظرت بعمقٍ إلى حياة النَّاجحين فسوف تكتشفُ أنها تمتلئ بتجارب الفشل المُثيرة؛ سنجد مثل أبراهام لينكولن قد فشل كأمين مستودع، وكجندي وكمحامٍ، ومع ذلك ساعدته كل هذه التجارب على نحو خاص في أن يقود الولايات المتحدة في أسوأ أزماتها وهي الحرب الأهليَّة.

– لا يمكن أن تغيرَ الماضي، ولكن يمكنك أن تغير الطريقة التي يؤثر بها عليك، يجب أن تترك الماضي خلف ظهرك.

– اعلم جيدًا أننا لا نستطيع أن نتحكم في الآخرين، أو الطريقة التي يتعاملون بها معنا، ولكن نستطيع أن نتحكم في ردِّ فعلنا تجاههم.

– لا يمكن لأحدٍ أن يغضبك أو يضايقك، كما لا يمكن لأحد أن يشعرك بعدم الأهمية أو الدونية إلا إذا سمحت له بذلك، وساعدته عليه.

استشارات

( كيف أتعامل مع الناس ؟)

 

السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

دكتور، لا أدري لماذا الناس تتغير عليَّ فجأة بدون سبب؟، تعبت لأنني أبرر لهم ولا أحد يفهمني، وفي الأخير يحظروني وأنا أتعب نفسيًا، ويصعب عليَّ أن أنسى كلامهم لي سواء أكان خيرًا أم شرًا، وكلما أتذكر ترجع نفسيتي تتعب من جديد، أريد أن أتخلص من هذا الشيء لأنني أتعذب.

أختكم: عبير.

الإجابة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أختي السائلة عبير، حفظكِ الله ورعاكِ، وقوَّى إيمانك وعزيمتك، كما أشكركِ على تواصلك معنا.

أعلمُ أنكِ تحتاجين إلى أن تقدري ذاتك، ومعرفة الإنسان لقدر نفسه هي منبع ثقته، وتقدير الذات هو عملية ديناميكيَّة لما يجري في العقل والجسد من عمليات، وما يقوم به الإنسان من تصرفات وسلوك.

وبناءً على هذه السلوكيات التي تصدر منك، يبدو أن الأفكار السلبية قد طغت عليك وأخذت حيزًا كبيرًا في تفكيرك، ولم تترك مجالًا للأفكار الإيجابية، وهذا ما يؤدي بك إلى العزلة والضعف وعدم القدرة على مواجهة الآخرين، وتتأثرين من أي انتقاد.

أولًا وقبل كل شيء يجب عليك أن تعطي لذاتك الحق، وأن تعرفي قيمتها، وهذا التقدير لا بد أن يكون عاليًا حتى تتغلبي على الحساسية المُفرطة، وهناك خطوات من خلالها تستطيعين أن ترفعي من شأن ذاتك.

ويجب أن تعلمي أيضًا أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فمهما فعلت فلن تستطيعي إرضاء الجميع، ولهذا عليك أولًا بالعمل على إرضاء الله سبحانه وتعالى، ثم الاهتمام بنفسك وعدم إهمالها ولا تنظري للآخرين، وإياكِ أن تصغّري من نفسكِ فأنت أقوى من ذلك.

ولهذا، فأنا أذكركِ بخطوات تكون سندًا لك في حياتك وتبعد عنك القلق والتوتر وهي:

1- يجب أن تعلمي أنكِ مؤمنة بالله، فإن الطاقة الإيمانية هي ذلك النور الإلهي العجيب الذي إن استعنتِ به فلن يخذلكِ، وهذا النور هو الذي يمدكِ بالقوة الجسمانية في بدنكِ والسعة في رزقكِ والبركة في حياتكِ، ويزودكِ باليقين والثقة بالنفس والطمأنينة والراحة النفسية والسعادة الأبدية، وإذا أردتِ أن تعرفي مقامك عند الله، فانظري فيما استعملك وعلى ماذا أقامكِ؟

2- أن تسيطري على انفعالاتك ومشاعرك عندما تواجهك الصعوبات والمخاطر والمشاكل.

3- أن تكوني متوازنةً في حياتك: لا يطغى جانبٌ على جانب، لا إفراط ولا تفريط، وأن تميلي إلى البساطة في كل شيء وتبتعدي عن التعقيد، وأن تحاولي الاهتمام بالتمارين الرياضية وتعتني بصحتك الجسمية.

4 – يجب أن تكوني حيوية، وعندك عزيمة وقدرة على مواجهة أي شيء، وأن تحبي العمل ولديك الحماس والدافعية والميل إلى التغيير والتطوير، ويجب أن يكون هدفك في الحياة واضحًا لا غموض فيه.

6 – تميزي بالصراحة ووضوح الحديث.

7- يجب أن تكوني إيجابية متفائلة، بعيدة عن الإحباط واليأس، وتحاولي دائمًا أن تقبلي على الحياة، ولا تضعفي أمام المشاكل.

8 – كوني اجتماعية، وابتعدي عن العزلة والانطوائية، وحاولي أن تستمعي إلى الآخرين وتؤثري فيهم وتتأثري بهم، وتحبي الخير للجميع، ولا تجزعي من انتقادات الآخرين أو تغيرهم عليكِ فهذه هي سُنة الحياة.

9 – اعملي على تطوير ذاتك دائمًا، فطوِّري من أفكارها ولا تبقي سجينة الأفكار السلبية، وتطلَّعي دائمًا إلى النجاح لترتقي سُلم المجد.

10- وأقول لك أختي الفاضلة اتركي دائمًا باب الأمل مفتوحًا ولا تيأسي وأبعدي عنك التوتر والإحباط، واعلمي أن الفرج يأتي مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا.

وبالله التوفيق.

همسات:

– مبادرة المُسن بالتحيَّة والسلام والمُصافحة ويضاف إليها تقبيل الرأس.

– رفع الروح المعنويَّة لديه، وذلك بحسن استقباله والترحيب به والدعاء له وإظهار البشر بقدومه.

– إبراز جهود وإنجازات المسن والحديث عما قدَّمه من خدمات لمجتمعه والدعوة إلى الاقتداء به.

– ضرورة الاقتراب من المسن؛ لأنه في هذه المرحلة يزداد الشعور بالوحدة والغربة.

– مساعدة المسن على المُشاركة الاجتماعية وحضور المناسبات والتكيف مع وضعه الجديد.

– مراعاة التغيُّرات العضوية والنفسية والعقلية عند المسن.

– ملء فراغ المسنِّ بالأمور النافعة.

– العناية بغذاء المسن ومراعاة حالته الصحيَّة والنفسيَّة.

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X