كتاب الراية

في محراب الكلمة …تعلّم أن تقول «لا»

استفاق أخيرًا بعد أن خسر الكثير من وقته وحياته وأهدافه

عرفتُه شابًا مُجتهدًا لا يُبارَى في التحصيل العلمي والانضباط الوظيفي والعَلاقات الواسعة، لكنَّه كان يعاني من الداخل من داء عضال سببه كلمة وعلاجه أيضًا كلمة.

داءُ صاحبِنا أنّه اعتاد اللّطافة الدائمة، فأصبحَ جاهزًا تحت الطلب في أيِّ وقت وأيِّ مكان، ودائمًا ما تتعرقل مشاريعه وأنشطته وأفكاره بسبب المقاطعات الدائمة وموافقته على طلبات الأصدقاء ودعوات المقربين والردّ على كل من طرق بابه بموعد أو بدون موعد.

كانت «نعم» لا تفارقه أبدًا ولو على حساب وقته وصحته وأسرته وأهدافه المرسومة. كانَ يُعاني كثيرًا، ويقتله الحياء في جوفه، وكلما همَّ بأن ينطق بكلمة «لا» في موقف معين إلا أنَّ لسانه ينعقد فلا يخرجها، وهكذا استمرَّ على حاله حتى تعرض لنازلة من نوازل الدهر وعندما فتَّش عن يمينه وعن يساره لم يجد أحدًا.

استفاقَ أخيرًا بعد أن خسر الكثير من وقته وحياته وأهدافه، وقرَّر أن يغيِّر طريقة حياته وتعامله مع الآخرين، وأعاد جدولة نظامه وآليَّة تواصله مع الآخرين، وكانت «لا» هي مفتاح السر.

أغلبنا يعاني كصاحب هذه القصَّة، فنحن نحب اللّطافة مع الآخرين، ونحبذ عبارة «نعم»؛ لأنَّها كلمة محبَّبة وتعبِّر عن الود، وعلى العكس كلمة «لا» تدلّل على القسوة والرفض رغم أن لها مبرراتها المنطقيَّة ودلالة الواقع والتجربة تثبت أنها هي الطريق الأسلم لحياة ناجحة.

نحنُ بحاجةٍ إلى خط توازن واضح بين «نعم» و «لا»، فمن السهولة على الجميع قول «نعم» سواء في المنزل أو العمل، لكن الصعوبة تكمن في قول «لا» بسبب إحساسنا بالمخاطرة على فقدان العلاقات، ولكن ما هي قيمة العلاقات إذا كانت ستفقدك حياتك وأهدافك وطموحك الذي ترنو إليه؟!

هناك مفترق طرق بين أن تقول «نعم» وبين أن تقول «لا».

عندما تعرف جيدًا متى تقول «لا» فإنك بذلك تضمن التحكُّم بقراراتك بشكل كلي، عندما تتعوَّد على قول هذه الكلمة فإن هذا علامة على ثقتك بنفسك، وتطوُّر رؤيتك الذاتيَّة للحياة، يقولون: «عندما يبدأ الناس بقول «لا»، تتطوَّر حياتهم المهنيَّة»، لأن قول «لا» سيعطيك المزيد من الوقت والطاقة لكي تخطّط لحياتك وتبني قواعدها بشكل سليم بدلًا من دخولك في متاهة تلبية رغبات الآخرين.

وفي الاتجاه الآخر، عدم قدرتك على قول «لا» واستمرار الإجابة ب «نعم»، سيجعلانك تحت ضغط الآخرين وطلباتهم، وستضعف طاقتك ويقلُّ مجهودك وسينعكس ذلك على كفاءتك، وستبدو ضعيفًا فاقد الثِّقة بنفسك، فضلًا عن الكثير من الأوقات الذهبيّة التي ستفوتك وأنت غارق في بحر «نعم» التي لا تنتهي طلباتها.

عليك أن تختارَ، إن قلت «نعم»، فرحِّب بالعيش في منطقة الراحة، وخاطر في فعل أشياء لن تحبها ولن تكون سعيدًا بالقيام بها، وإن قلت «لا»، فأهلًا بالمخاطرة الحميدة وأهلًا بتحقيق الأحلام، ووداعًا لكل عمل ينغّص عليك حياتك. ليس من اللازم أن تتجرَّأ على قول «لا» بكل وقاحة، فتصبح رصاصة في فمك ضد كل من يطلب منك معروفًا أو يسألك معلومة أو يتوقّع منك خدمة، الرفق هو سيد الموقف، وما كان الرفق في شيء إلا زانه.. أنت فقط بحاجة لبعض الأدوات لكي تتقن قول «لا» بإيجابية تشعرك بالسعادة الداخليّة وتمنحك ثقة بالنفس وتدفع الآخرين إلى مساعدتك.

استشاري تدريب وتنمية

بشرية وتطوير مؤسسي

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X