البديل (SPARE) !
المدير المخضرم يتهم القيادي الجديد بأنه يحاول أخذ مكانه
عادة ما يُتهم أفراد الصف الثاني بأنهم ليسوا أهلًا لهذا المنصب
طرف ثالث يحول دون التقرب بين الجيلَين القديم والحديث
الطرف الثالث أشبه بزوجة الأب الشريرة بالوشاية والشائعات
اعتمدنا على الصف الأول والنتائج كانت رائعة .. لكن إلى متى؟
الصف الثاني أصحاب الظل ينوبون عن المدير في حال غيابه
الجيل الجديد يفرض نفسه بما لديه من حماس وأفكار خلاقة
عدم التوافق الفكري بين جيلَين مشكلة أزلية تحتاج لحُسن إدارة
قد تقود مذكراتي لمصالحة بين القادة القدماء والجدد

على غرارِ كتابِ البديلِ (SPARE) للأمير هاري قرَّرتُ أن أكتبَ مُذكراتي! هي ليست بالمُذكرات المُتعلقة بحياتي الخاصة، لكن هي عامة، تمسُّ الجميع ولا تقلقوا هي ليست بالمُحرجة لكنها مُرة! وكما يُقال أفضل الدواء هو المُر العلقم.
من منَّا لم يشهد تلك المُشاجرة التي وقعت في مكتب المُدير العام، حيث اتهم المُدير المُخضرم القياديّ الجديد أو (البديل) بأنه وقح ويُحاول أن يأخذَ مكانه، فقط لأنه يتفانى في عمله! ليطرحه أرضًا على أثرها لولا تدخل الموظفين لفض هذا الاشتباك. ليصبح من يُفترض أن يكونَ سنده هو عدوه!
عادة ما يُتهم أفراد الصف الثاني بأنهم ليسوا أهلًا لهذا المنصب لأسباب لا علاقة لها بالعمل، لكن لأسباب أخرى بعيدة عن المهنية.
يظلُّ قادةُ الصف الثاني هم أصحاب الظل ينوبون عن المُدير في حال كان في مهمة رسمية، يؤدون عملهم على أكمل وجه بل يتركون بصمةً واضحةً، ولمسةً رائعةً، هم لا يسعون لسرقة المنصب لكن يسعون لإثبات أنفسهم. وفي المُقابل يكون المُدير هو من ينعم بالبدلات والشكر، وعندما تنتهي المهمة يعود كل شيء لمكانه، وكأن كل العمل الشاق الذي قام به الجيل الجديد يذهب هباءً منثورًا، بل قد يُتهم بأنه انتهازي.
هناك دائمًا طرف ثالث يحول دون التقرب بين الجيل القديم، والجيل الجديد، تحقيقًا لمصلحته الخاصة لكي يستمرَ في منصبه ! ومن يدري قد يكون هو المُدير المُستقبلي.
هدف الطرف الثالث الذي أشبه ما يكون بزوجة الأب الشريرة.. الوشاية، ونقل الإشاعات، وإفساد العلاقة المهنية، ملامحه تشبه ملامح العجوز التي تُكثر من وضع المكياج، لكي يظهر بمظهر غير مظهره، بأنه هو الحريص على مصلحة العمل، ومصلحة المُدير المُخضرم.
ليفقد الجيل الشاب الشغف شيئًا فشيئًا، حيث ينظر إليه دائمًا بمثابة البديل فقط. حاله كحال الإطار «السبير» في السيارة يعود لمكانه في شنطة السيارة، رغم أن الإطار الأصلي أصبح مُتهالكًا بحكم السن، ومع ذلك تجد المسؤولين مُصرّين على عدم التجديد والتغيير.
اعتمدنا على الصف الأول والنتائج كانت رائعة، لكن إلى متى ستكون النتائج كذلك، فحتمًا سوف يقل الحماس، لقد حان الوقت لمنح الصف الثاني فرصة لمواكبة تطورات العصر. وأنا مُتأكد أن النتائج ستكون أكثر من رائعة نحو تحقيق الطموح والأهداف المُستقبلية لأن عجلة الزمن لا ترحم.
أقول هذا الكلام وقد أمضيت 25 عامًا عاصرت مُديرين من الجيل الماضي وقياديين من جيل المُستقبل، ولعلنا مُتفقون على أن الجيل الجديد من الموظفين يفرض نفسه بما لديه من حماس وأفكار خلاقة، أما الجيل المُخضرم في العمل فهو لم يُقصر يومًا ما، لكن التغيير هو سُنة الحياة، لا نريد الوصول إلى مرحلة الصراع.
إن جوهر الصراع بين الأجيال أساسه السلطة أو ما يُعرف بمن يكون صاحب القرار، فالشاب يُريد المزيد من النفوذ، ويريد أن يُطبق أفكاره الجديدة، بينما الموظف المُخضرم يريد من الآخرين الاعتراف بتجربته وتقديرها.
تتعاقبُ الأجيالُ جيلًا بعد جيل وتزداد الفجوة باختلاف طبيعة العمل في هذه الوزارة أو تلك، ما صعّب إمكانية قبول تفكير الآخر، وشكل صراعًا بين القيادتين ليصبح قدامى الموظفين غير مُقتنعين بكيفية عمل الموظفين الجدد الذين بدورهم يرون أن وجود تلك الفئة قد تُعطّل من طاقاتهم للعمل بروح شابة.
إن عدم التوافق الفكري بين جيلين مُشكلة أزلية تحتاج إلى حُسن إدارة، ويتطلب لمواجهة تلك الفجوة أن يعي كل جيل مُتطلبات الجيل الآخر طالما الهدف مصلحة العمل.
من الأخطاء التي تقع بها الوزاراتُ والمؤسساتُ، هي فكرة الأفضل والأسوأ بين جيلَين مُختلفين، هي مُقارنة خاطئة بالأساس، والأفضل من هذا الصراع هو الإيمان بأن التجديد مطلوب، وليس معنى كلامي هو إلغاء طرف على حساب طرف آخر بل أن يكون التجديد بشكل تكاملي عبر الإحلال التدريجي والمُتأني ليكون بسلاسة ودون مشاكل.
الأحزابُ القديمةُ في العمل تُحاول دائمًا التقليل من شأن الجيل الجديد نتيجة خوفهم من الطاقة المُتدفقة وتسمع منهم كلمة (تذكرني بنفسي وبشبابي)! وهذا ليسَ من بابِ التشجيعِ للأسف ولكن بعبارة أخرى (لم تأتِ بشيء جديد) وطبعًا نحن هنا لا نُنكر فضل بعضهم ممن مدَّ يدَ العون للجيل الجديد ليرتقي على سُلَّم الوظيفة وصولًا للكرسي.
هذا الصراع يعودُ إلى صراع قديم وهو صراع الأجيال، وهنا سينتج ذلك التصادم أو الاحتكاك الذي يخلق صراعًا فيما بعد، ومن الأجدر أن يُحافظ كلا الجيلين على مسافة حرة لكليهما واعتراف بتعاقب الأجيال، وبذلك ستقوى الروابط بين الطرفَين ويبقى الاحترام مُتبادلًا.
حديثي هذا أو مُذكراتي مردها إلى وقوع عيني على خبر بدْء مركز قطر للقيادات إعداد المُنتسبين الجدد لبرنامج القيادات الحكومية والمُستقبلية للعام 2023.
هذه ليست الدورة الأولى ولا الأخيرة، الأمر الذي يتطلب فعلًا أن تُتاحَ للجيل الجديد الفرصة، وهذه الفرصة هي بتقلد المناصب القيادية لكي يُمارسوا ما تعلموه على أرض الواقع وألا تكون فقط مجرد شهادة لا يعمل بها على أرض الميدان.
من يدري قد تقود هذه المُذكرات (البديل) إلى حدوثِ مُصالحة بين القادة القدماء والقادة الجدد، حيث يجب أن نستبدلَ الإطار القديم بالاحتياطي، بعد أن أدى الإطار الرئيسي دوره القيادي ونقول له: شكرًا (ما قصرت) حيث حان وقت التغيير.
أخشى إذا لم يتم إحلال الإطار «السبير» سريعًا، أن يأتي يوم نستبدل السيارة بأكملها بسيارة جديدة من الخارج.
قد تكون هذه المُذكرات (البديل) من باب «فشة خلق»، لكن الفرق بينها وبين مُذكرات الأمير هاري أن الأخيرة تُباع بالملايين، لكن هذه المُذكرات قد لا يُلتفت إليها.