الوقوع في الخطأ.. من طبيعة البشر
الذنوب والمعاصي سبب في زوال النعم الحسية والمعنوية

الدوحة – الراية:
أكدَ فضيلة د. محمد حسن المريخي أن الله تعالى خلق العباد غير معصومين يُخطئون ويُذنبون ويضعفون فتكون منهم الأخطاء والذنوب والمعاصي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».
وقالَ د. المريخي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الشيوخ: إن من طبيعة البشر الوقوع في الخطأ والذنب، ولكن لا حجة للإنسان في ذلك ولا مُبرر للاستمرار في الذنب، بل هو مأمور بالتوبة والتحفظ من الذنوب، كما هو مأمور بتصحيح الخطأ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث وخير الخطائين التوابون، يرشد إلى التخلص من الذنوب ويفتح للعبد باب الأمل، وخير الخطائين الذين يتوبون إلى الله، والذين يتخلصون من ذنوبهم، يقول الله تعالى «إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين»، ويقول سبحانه «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات».
وأضاف الخطيب: الذنوب الصغيرة والكبيرة مؤاخذ عليها عبد الله وأمة الله، وهي ذنوب وهي أعمال مُحرجات بين يدي الله تعالى، مُحرقات تشتعل نارًا على أصحابها في الآخرة، وإن الذنوب مؤثرة في الدنيا قبل الآخرة على الفرض والمُجتمع والأمة، بسببها يسخط الرب سبحانه، فلا يوفق عبده ولا يرعاه بل يضيق عليه رزقه «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا»، وإن أكثر مشاريع البشر اليوم في الدنيا والتي فشلت وذهبت سببها الذنوب والمعاصي، نعم سببها الذنوب والمعاصي «ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى آثارًا للذنوب والمعاصي على الإنسان، ومن نظر عباد الله في دنيا الناس اليوم يرى آثار الذنوب على فاعليها، والواقعين فيها ولكنهم لا يشعرون، وأول هذه الآثار كما قال ابن القيم رحمه الله «إن الذنوب تضعف تعظيم الرب سبحانه في النفوس والقلوب لأن الله تعالى يقول «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»، فما عظم عبد الله شعيرة الله عز وجل إلا من التقوى التي في قلبه وهذه عباد الله والله ملموسة اليوم، فشعائر الدين ضعيفة المقام عند البعض والسخرية والاستهزاء لا يكون إلا على الله ورسوله والدين والإهمال وضعف اليقين والغرور بالدنيا وتأخير الدين وإهمال السنة وتقديم الدنيا، كل هذا موجود عند بعض الناس بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وهي ذنوب ومعاصٍ يسخط عليها الرب سبحانه وتعالى.
تضييق الرزق
وقالَ: وثاني هذه الآثار تضييق الرزق والمعيشة على الإنسان أو الفرد، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» رواه أحمد، وقال وهيب بن الورد رحمه الله «لا يجد طعم العبادة من عصى الله تعالى ولا من همَّ بمعصيته».
وذكرَ د. محمد المريخي أن ثالث هذه الآثار حرمان العلم الشرعي، وحدث ولا حرج في إقبال الأمة أو إدبارها على العلم الشرعي والله تعالى يقول «واتقوا الله ويعلمكم الله»، وهذه ملموسة اليوم في الأمة الإسلامية كلها، فثلاثة أرباع الأمة يجهلون دين الله، يجهلون دينهم، وكل الأمة مُعرضة عن تعليم الشريعة والزهد فيها وتركض وراء الدنيا والعلوم الدنيوية إلا من رحم الله تعالى، يقول الشافعي رحمه الله «شكوت إلى وكيع -وهو شيخه- سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم أن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصٍ».
آثار الذنوب
ونوهَ الخطيب بأن من فظائع آثار الذنوب هذه المُكدرات وما يجده أكثر الناس في صدره وقلبه من الأحزان والخوف والقلق وعدم الشعور بالراحة النفسية، قال الله تعالى «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا»، فكم شكا عباد الله ويشكو الناس مما يجدونه في قلوبهم ونفوسهم، وكم لاحظ بعض الأطباء أن بعض مرضاه لا مرض عنده ولا ألم ولكنها وحشة مُفارقة القرآن والذكر والصلاة وبغض دين الله عز وجل، دخل في القلوب من غرور الدنيا والنظرة المؤسفة لدين الله عز وجل، ومن آثار الذنوب الشعور بالذلة والمهانة في الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام «جعل الذل والصغار على من خالف أمري» رواه أحمد، والله تعالى يقول «إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين»، والذنوب والمعاصي عباد الله سبب مُباشر لعذاب القبور، فلقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبرين اثنين فأشار إليهما بأنهما يُعذبان في قبورهما، قال وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة، ثم أخذ جريدة، صلى الله عليه وسلم، رطبة فشقها نصفين فغرز على كل قبر واحدة قالوا يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال لعله أن يخفف عنهم ما لم ييبسا» رواه البخاري.
زوال النعم
وأكدَ د. محمد المريخي أن الذنوب والمعاصي سبب في زوال النعم الحسية والمعنوية وسبب للخسف والقذف، يقول عليه الصلاة والسلام «يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف، قالت عائشة رضي الله عنها أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث» رواه الترمذي، وهو حديث صحيح. وهو سبب لتسلط الأعداء وقتال المُسلمين بعضهم مع بعض وسبب لنزول العقوبات على الفرد والمُجتمع، وعلى كل حال الذنوب والمعاصي سبب لكل بلاء ومحنة ومُصيبة، «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم».
ونوهَ الخطيب بأن الذنوب هلاك الأمم والقرى والناس قديمًا وحديثًا ومعاصرة، زالت أمم وذهبت قرى وغابت أجزاء من الأرض بسبب ما يعمل عليها من المعاصي والكفر والإلحاد، جرت حروب ودمرت بلدان أعداء بسبب ما فتحت بعض الأمم على نفسها من الشهوات والملذات المُحرمة وما استباحت من حرمات الله تعالى وما تعدت من حدوده وما تجرأت عليه من حماه، يقول الله تعالى «ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارًا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين».