كتاب الراية

قضايا وأحداث.. من يقف وراء الاعتداء على القرآن في السويد ؟

العدوان ليس حرية تعبير.. لكنه استفزازٌ فجٌّ يُزعزع مناخ السلام

لعلَّكَ تابعتْ على الشاشاتِ ذلك العمل البغيضَ الدنيء المُعادي للإسلام الذي أقدم عليه السياسي اليميني المُتطرف «بالدوان» ضد القرآن الكريم، وكذلك شاهدت ردود فعل العالم الإسلامي تجاه هذا العمل غير الأخلاقي. إذ لم يقف المُسلمون صامتين حيال هذا العمل العدواني والتحدي الصارخ لإيمانهم، ولم يكن ذلك مُمكنًا بالطبع. ولقد اقتضت الطريقة التي تم بها تنفيذ هذا العمل، توجيهَ رد الفعل ليس فقط للجاني، ولكن أيضًا ضد الحكومة السويدية، وحتى ضد أوروبا بأكملها؛ لأنَّ مثل هذا الإجراء العدواني ليس عملًا مُفاجئًا آنيًّا خارجًا عن السيطرة، بل إن عملية حرق المصحف قد تم التخطيط لها قبل أيام من تنفيذها، وتم التنفيذ بتصريح حصل عليه الفاعل من الحكومة بصفة رسمية وموضح فيه كل ما سيفعل. من الواضح جدًّا أن هذا العمل تم القيام به لاستفزاز المُسلمين. وفي مثل هذه الأعمال الاستفزازية، لا يكون الهدف مجرد التعبير بحرية عن أفكار المرء تجاه الآخرين. وقد يكون هناك كثير من الناس الذين يريدون التعبير عن مشاعرهم تجاه المُسلمين، ومن هذه الناحية لا يكون هناك أي شيء غير طبيعي؛ إذ لا يوجد شيء أكثر واقعية من وجود أشخاص لا يؤمنون بأن القرآن وحي بل يعتقدون أنه – وحاشاه – «خيال مَن يُعتقد أنه نبي» أو «تلفيق مَن يدَّعي أنه نبي». ولا ضير في ذلك؛ إذ لن يؤمنَ كل الناس بالنبي أو القرآن. في الواقع، لا يمكن أن نتوقعَ من شخص لا يؤمن بالقرآن أو النبي أن يُفكر بطريقة أخرى خلاف تلك. فنحن – المُسلمين – نعتقد أيضًا أن الكتب التي يؤمن بها المسيحيون أو اليهود، كتب مُحرَّفة، وبالتالي فهي نصوص باطلة. ومع ذلك، فإن هذا الاعتقاد لا يمنحنا الحق في إهانة الذين يؤمنون بالتوراة والإنجيل، بل إن ديننا يأمرنا باحترام هذه الكتب، وينهانا عن إهانتها؛ لأنه حتى إذا تم تحريفها، فإن أصولها من عند الله، وهناك حتى الآن أناس يؤمنون بهذه الكتب، وهذا كافٍ لدى المُسلم ليحترمها ويتجنب إهانتها، وذلك كله نابع من قيم الإسلام وأخلاق المُسلم في احترام أفكار وعقائد الآخرين حتى إذا كانت تُخالف عقيدته. من ناحية أخرى، أصبحت الحكومة السويدية شريكًا أصيلًا في هذه الجريمة بإعطائها التصريح – عن علم – بالقيام بهذا التحدي الصارخ بالإهانة والاعتداء الواضحين على القرآن والمُسلمين الذين يؤمنون به. وبالطبع لا يمكن تقييم هذا في نطاق حرية التعبير، فإن الاختلاف مع مُقدسات شخص ما والتعبير عن ذلك هو حرية رأي مُعتبرة. لكن توجيه الإهانات والشتائم والعدوان ليست حرية تعبير ولكنها استفزاز فجٌّ يُزعزع مناخ السلام ويخل بأساساته. وفي المُقابل فإنه لا يمكن لأحد السماح بارتكاب ولو قدرًا ضئيلًا من مثل تلك الجرائم والإهانات ضد اليهود في أي مكان في أوروبا، بل يصل الأمر إلى أنه بمجرد التفكير في ذلك يجد الشخص نفسه مُعتقلًا بتهمة مُعاداته للسامية. وبطبيعة الحال، فإن سماح السويد بمثل هذا الفعل أمام السفارة التركية، تزامنًا مع خضوع طلبها المُتعلق بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لتقييم تركيا، فعلها هذا لا شك مسألة لا يمكن التغافل عنها بل سيتم التأكيد عليها ووضعها في مُقدمة الاعتبارات عند التقييم. وهنا تساؤل مشروع عمَّا إذا كانت السويد قد تخلت عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي بسماحها بمثل هذا العمل الدنيء، في وقت هي بالفعل محل اعتراض تركيا عليها؛ لدعمها الإرهاب ضد تركيا. لقد صرح أردوغان أنه بالتأكيد لن يسمحَ لدولة بهذه المواقف المُهينة والعدوانية تجاه الإسلام أن تكونَ عضوًا في حلف الناتو.

لا يُرتَجى الماءُ من بئرٍ مُعَطَّلَةٍ

أو يُجتَنى ثَمرٌ من عاقرِ الشجرِ

بالطبع هناك احتمال وارد وراء هذا الفعل، لا يمكن تجاهله، ذلك الذي يدَّعي أن السويد قد أظهرت رد فعلها بالسماح بتنفيذ مثل هذا الفعل أمام السفارة التركية، بسبب الاعتراض الشديد الذي تلقته من تركيا فيما يتعلق بمسألة عضوية الناتو. لكن الرأي الأكثر قوة في هذا الصدد، هو أن السويد لم تستطع بالفعل إيقاف هذا العمل نتيجة لمعايير حرية التعبير التي تخضع لها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن اهتمام السويد الأول بمسائل حرية الفكر إلى حد اتساع الخرق على الراتق وصولًا إلى حرية إهانة الآخرين وإظهار الكراهية والعدوان، يكشف بوضوح القصور الشديد في السيطرة على السلوكيات التي يمكن أن تُعكرَ صفو السلام في الداخل السويدي. ولعل الأيام القليلة القادمة تكون حُبلى بنقاش حقيقي حول الآثار السياسية لهذا الحادث داخل المُجتمع السويدي.

وعند النظر السريع للتوابع الأولية لهذا الحدث نجد أنه تسبب في الكثير من الضرر للسويد، حيث وجدنا العالم الإسلامي الذي لا يزال يواجه صعوبةً في اتخاذ مواقف مُشتركة حول العديد من القضايا الداخلية، قد اتحد ضد الموقف الصليبي الواضح في طيات هذه الحادثة. فجاءت ردود الفعل من المملكة العربية السعودية ومصر والكويت والأردن وباكستان وجميع الدول الإسلامية تقريبًا، وكذلك قطر، وتركيا التي جاء ردها على الحدث في المُقدمة، وقد أجمعت كل الردود على عدم الاكتفاء بإدانة الناشط فحسب، بل لا بد أيضًا من إدانة الحكومة السويدية التي سمحت بذلك. وهكذا كان لهذا الهجوم على القرآن تأثير كبير في توحيد المُسلمين، مثلما حدث جراء الهجوم على المسجد الأقصى في عام 1969، إذ اجتمع العالم الإسلامي بأسره على تطوير هيئة مُشتركة لحماية المسجد الأقصى في إطار مُنظمة التعاون الإسلامي.

كما ازداد الموقف التركي مُعارضةً لانضمام السويد إلى الناتو، كأحد ردود الفعل إزاء هذا الحادث، هذا بالإضافة إلى تلويح بعض مراكز البحث إلى أن هذا العمل كان لعبة روسية وقد استفادت منها في الحقيقة، وقد قال أصحاب هذه الفكرة: إن الأتراك أو المُسلمين ردُّوا على هذا العمل وقالوا إن روسيا هي التي ساقت الأحداث إلى تلك الزاوية، وهم بقولهم هذا، يوظفون المنطق القائل بأنك لكي تعرف المُخطط الحقيقي لأي فعل فابحث عن المُستفيد منه، حيث جعلت آمال السويد في الانضمام للناتو في مهب الريح.

في الواقع، إن هذا المنطق البوليسي ليس مُستبعدًا على الإطلاق. لكن هذا لا يجعل ردود فعل المُسلمين غير مُبررة، ولا يعني أيضًا القبول بأن تسمحَ بذلك الحكومة السويدية، التي من الواضح أنها ستُعاني من هذا كثيرًا، حتى لو كان مُرتكب مثل هذا العمل يقوم بمثل هذا الاستفزاز نيابة عن روسيا فإنه قام به على مرأى ومسمع من الحكومة السويدية وسط حماية مُشددة من شرطتها التي منعت اقتراب أي أحد منه أثناء ارتكابه.

 

أكاديمي وسياسي وكاتب تركي

 

 

@yaktay

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X