فيض الخاطر.. الأنشطة الثقافية والمشاركات الشبابية
الملتقيات تسهم في إشاعة الوعي المجتمعي بالقضايا الهامة

تزخر مؤسساتُنا الثقافية بالعديد من الأنشطة المِنبرية الجاذبة للنخبِ الثقافية الجادّة والباحثة عن الثقافة الرصينة، كما تنشط بذلك المُنتديات أو الصالونات الأهليّة، التي يُشرف عليها بعضُ المُثقفين المعروفين، والتي يرتادها المُثقفون وغيرهم للاستمتاع بما يجري تداوله فيها من أحاديث ثقافية مُتنوعة، وسواء كانت هذه المُلتقيات رسميّة أو أهليّة، فإن المُحصلة النهائية لأنشطتها هي الإسهام في مدّ نهر الثقافة في بلادنا بروافد لا غنى عنها، لضمان انسيابه لتنشيط الحراك الثقافي من ناحية، ولتأصيل قيم ثقافية جديدة من ناحية أخرى، تُسهم في إشاعة الوعي المُجتمعي بالكثير من القضايا الهامة التي تشغل أذهان الجميع، كما تخلق نوعًا من الألفة بين مُرتاديها، وما أحوجنا إلى هذا النوع من الألفة بين أفراد المُجتمع، في زمن يمكن أن نسميه زمن العزلة الفردية، حيث ينشغل كل فرد من أفراد المُجتمع بهمومه الخاصة، مُكتفيًا بالانكفاء على وسائل التواصل الجديدة التي تستهلك كل أوقات فراغه، وقلة هم الذين نجوا من سيطرة التقنيات الجديدة في عالم الاتصالات أو ترويضها للاستفادة منها في جني ثمار المعرفة، بدل قضاء أوقاتهم الثمينة فيما تُقدّمه تلك الوسائل من ثقافة هزيلة تضر أكثر مما تنفع. وهذا يقودنا إلى حقيقة أن المُنتديات الرسمية والأهلية، غالبًا ما تكون حاضنةً للكبار، وقلما يكون روادها من الشباب، ما يستوجب الاهتمام بأصحاب هذه المرحلة العمرية الهامة، فالشباب هم الأكثر عزلة لانشغالهم أكثر بتقنيات التواصل الاجتماعي، والانهماك فيها لدرجة لافتة تدعو لمُعالجة هذا الوضع غير الطبيعي في حياة الشباب -بنين وبنات- وهنا لا يكفي أن تُعالج مشاكل الشباب في المُنتديات التي يقتصر التواجد فيها على الكبار، بل لا بد أن تكون للشباب مُنتدياتهم الثقافية الخاصة التي تشغلهم عن الاندماج في المُمارسات الانعزالية التي تُسببها وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، بعيدًا عن الرقابة الوالدية في هذه المرحلة الحرجة من أعمار أبنائهم وبناتهم، والتي تستلزم اليقظة التامة من قِبل الوالدين لمعرفة ماذا يجري لهؤلاء الشباب في العالم الافتراضي الذي أصبح من أهم مظاهر هذا العصر، حتى إذا وقع المحظور لدى هؤلاء الشباب، ندم أولياء الأمور على ما فرطوا فيه بحق أبنائهم وبناتهم.
الأنشطة الثقافية -كما أنها موجهة للكبار- لا بد أن يكون للشباب نصيبه منها، سواء في المواضيع المطروحة للنقاش، أو في توفير المُناخ المُناسب لحث الشباب على المُشاركة في تلك الأنشطة بالحضور والمُناقشة، وهم على كل حال الأدرى بمشاكلهم وهمومهم، والأكثر قدرة على حلها والوصول بها إلى شاطئ الأمان، مع الاستفادة من تجارب الكبار في تجاوز تلك المشاكل والهموم.
الحضور الشبابي في الأنشطة الثقافية الرسمية والأهلية أمر له أهميته التربوية والأخلاقية إلى جانب أهميته الثقافية، ولدينا ولله الحمد من الشباب الواعي بأهمية الثقافة، من هم جديرون بأن يتسنَّموا مراحلَ مُتقدمةً في المجالات الثقافية المُتعددة، تُساعدهم في ذلك تخصصاتهم الجامعية المُتنوعة، ليُسهموا بجهدٍ وافرٍ في خدمة المُجتمع والوطن والأمة، وهم أهلٌ لذلك دون شك.