كتاب الراية

قضايا وطنية.. نحو دورة تعريفية إلزامية للمُقبلين على الزواج

التوعية بالأسس الشرعية والاجتماعية في اختيار شريك الحياة

يقول الله تعالى في مُحكم التنزيل «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».

فالزواج آية من آيات الله عز وجل بصريح هذا النص القرآنى الكريم، ولقد وصفه الله تعالى بأنه ميثاق غليظ، حيث قال في الكتاب العزيز «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا».

وانطلاقًا من هذه القداسة والأهمية الفائقة للزواج -كواحد من أعظم الروابط الاجتماعية- فإنه لا بد أن يعرف المُقبلون عليه، خاصة من فئة الشباب، أهميته وقداسته وخطورة النتائج المُترتبة عليه، وكذا خطورة النتائج المترتبة على هدمه وفصْم عُراه.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نادى الشباب قائلًا (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) فإن الباءة الواردة في هذا الحديث الشريف لا يقصد بها مجرد القدرة على تحمل الأعباء المالية للزواج، وإنما الباءة الحقيقية هي القدرة على تحمل كافة المسؤوليات والتبعات الناتجة عن رابطة الزوجية، وأهمها رعاية الزوجة والأولاد، وتحمّل ما يحتاجونه في كافة نواحي الحياة من تربية وتنشئة وتعليم ورعاية صحية ونفسية وإرشاد وتوجيه، فضلًا عن الصبر على مصاعب الحياة وأعبائها، وأهمها ما قد يثور بين الزوجين من المشاكل المعتادة في كل البيوت، يتعين الصبر على ذلك والتعايش والتعامل معه.

وإذا كانت الثقافة في هذا المجال قد تضاءلت وقلّت، فإنه من الضروري للغاية أن تتدخل الدولة لتعيد إحياء ثقافة العلم بقدسية رابطة الزوجية وأهميتها والتبعات والمسؤوليات المُترتبة عليها وأنها مزيج من الحقوق والواجبات.

وإن من الوسائل المُقترحة لتحقيق هذه الغاية أن تعقد الدورات التعريفية الإلزامية لتوجيه وإرشاد المُقبلين على الزواج -خاصة الشباب منهم- من أجل توعيتهم بأهمية ما هم مُقبلون عليه، بحيث لا يجوز عقد الزواج إلا إذا كان الطرفان قد حضرا هذه الدورات التعريفية التثقيفية.

ومن أهم الموضوعات التي يجب أن تنطوي عليها هذه الدورات ما يلي:

– التوعية بأسس اختيار شريك الحياة سواء كانت هذه الأسس شرعية -وهي الأهم- أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها، وذلك حتى يحسن كل طرف اختيار شريكه، فتقوم الزوجية على أسس سليمة من بدايتها.

– التوعية بأن الزواج آية من آيات الله، وميثاق غليظ، وأمانة عظيمة، وليس مجرد وسيلة لكسب مال أو تحقيق غرض أو الوصول إلى غاية.

– التوعية بأن الزواج كما يعطي لطرفيه حقوقًا، فإنه يلقي عليهما العديد من الالتزامات، أهمها الحفاظ على هذا الزواج وعدم التفريط فيه بسهولة.

– التوعية بأن إنهاء الزوجية والتخلص منها -دون مسوِّغ شرعي- هو عمل لا يرضاه الله تعالى، لقول النبى ﷺ (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول) وحتى في الأحوال التي يستحيل أن تستمر فيها رابطة الزوجية، فإن إنهاء هذه الرابطة -وإن كان مشروعًا- إلا أنه عملٌ بغيضٌ للغاية، فأبغض الحلال عند الله الطلاق.

– التوعية بأن الزواج، خاصة إذا وجدت الذرية، ينطوي على العديد من أوجه التضحيات، ومن ثم فإنه يجب على الزوجين أن يصبرا على كل ما يعترض حياتهما من صعوبات مهما كانت، وأن يعلما أن الصبر عاقبته الجنة، وأن الفئة الوحيدة التي تدخل الجنه بغير حساب -خلاف الشهداء- هم الصابرون، وذلك مصداقًا لقول الله تعالى «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ».

وأخيرًا فإن الحفاظ على الزوجية هو وجه من وجوه تقوى الله، حيث قال عز وجل «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ».

فالأمل -كل الأمل- أن يتدخل المُشرّع القطري بسنّ تشريع يوجب مثل هذه الدورات التعريفية المُهمة.

هذا، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

@jathnanalhajri

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X