كتاب الراية

كلمات.. رحلة بنكهة القهوة

سجل أهم لحظات عشتها وملأت قلبك سعادة وأخرى ملأتك بالحزن

ما زلنا في مُستهلِّ السنة الميلادية الجديدة 2023، وبعيدًا عن الحديث عن الخطط المستقبليَّة لهذا العام، دعنا نسبر أغوار نفسك، ونبحث بين طياتها، لنعود بالذاكرة إلى اليوم ذاته من العام الماضي، حيث يفترضُ أنك كنت أقل خبرة، وأقلّ وعيًا! لا تستغرب! فكل يوم تمر به في هذه الحياة يرفع من كم إدراكك، ويضاعف نموّك المعرفي، ويكسبك تجارب إن أردت ذلك، أما إن كنت قد اكتفيت فكفى! ولكن ستظل واقفًا عند النقطة ذاتها من الدائرة نفسها!

والآن دعني أسألك عن حالك في ذلك اليوم، كيف كنت وقتها؟ وما التبديل الذي طرأ عليك؟ ما الإضافة والتعديل أو التشويه الذي حدث في نفسك وعلى شخصيتك؟

أسئلة تستحقُّ أن تتمهل عندها، لتبحر بأفكارك المتزاحمة، ربما بصحبة فنجان قهوة تحفز بمذاقها ذاكرتك، وتتغلغل برائحتها في ذكرياتك، وتدلل بها مزاج جولتك، إلى موانئ ربما لا يعرفها سواك، ومن سواك قادر على هذه الرحلة الجريئة خلال عام من الزمن، بكل أحداثه وتقلباته، وبكل عواطفك، وأفكارك التي كانت المحرك الأول في توجيه سلوكك.

قف لحظات بل ساعات مع نفسك، وبيدك ورقة وقلم، لتسجل أهم لحظات عشتها وملأت قلبك سعادة، وأخرى ملأتك بالحزن، ودوِّن تلك التي شعرت بها بالخيبات وأخرى بالأمل. ولتتدبر فيمَن دخل حياتك بسلام؟ ومن اقتحمها بلا استئذان؟ وماذا كان محور الأحداث؟ هل هو شخص أو حدث أو ربما كان هاجسًا يطاردك طوال العام، ظهرت آثاره الجميلة، أو انعكاساته اللامثالية على أيامه الطوال، وتفحص نفسك واسألها كم شخصًا تسببت في إسعاده؟ وكم شخصًا كنت طرفًا في أحزانه؟ ولتتبع تلك المنعطفات التي مالت بك وربما حولت مساراتك، كيف كان وقعُ خطواتك في سياقاتها.

أريدك أن تتعمق بالبحث في مثاني نفسك، فهي المحرك الأصيل لشخصيتك، اُترك ما ظهر على السطح جانبًا، ولتنزل لتلك الكهوف المُظلمة، واصل النزول، وفتش عما حدث هناك، أو لعله لم يحدث! إن حدث شيء هناك كتحريك أو إصلاح فتأكد أنك تقدمت، وحققت انتصارًا أو ربما انتصارات، أما إذا ما وجدت الكهوف موحشة، ترقد في سبات عميق، تعشعش فيها الخفافيش، وتركد فيها المستنقعات، تحتلها كلاب خرساء، اعتادت العيش تحت سترة الظلام، فاعلم أنك لا تزال عالقًا في 2022 أو ربما في قبلها من سنوات.

إن معرفة النفس ومحاسبتها، أكثر أهمية من وضع الخطط المستقبلية لعام قادم، إذا ما كان المخطط والمنفذ معطوبًا! فمهما بلغت من النجاح، ومهما مضيت قدمًا، سيظل شيء ما يثقلك ويكدر صفو نجاحاتك، ذلك الشيء إذا ما اجتهدت في العثور عليه ومداواته، سوف يظل يئن في أعماقك، ويقض عليك حياتك.

غالبًا ما يكون ذلك ناتجًا عن مشاعر ألم لم تستطع معالجتها، مهما كان نوع الألم، فالألم أنواع سلبي وإيجابي، إنساني ووجودي، رومانسي وفلسفي.. إلخ وجميعها ينجم بل ويتواصل من خسارة الأشياء أو عدم بلوغها، فتتأرجح بين الرغبة والحرمان، فكتمت تلك العواطف ومضيت تحمل ثقلها على أكتافك، ومع مرور الوقت اعتدت على هذا الحمل، فلا تعود تنتبه إلى وجوده حتى تجاهد في الوصول إليه، وربما يسألك متفرس عن حالك بينما تكون مبتسمًا راضيًا، فيأتيه الرد مباشرة لا شيء، بينما تجهل الحقيقة بأنك تقاسي شيئًا من كل شيء!

إذًا قبل أن تودع عامًا وتستقبل الآخر، تأكد من تنظيف كل العوالق التي تسربت إلى نفسك، ووجدت لها مستقرًا في كهوفها، ولتتأكد من سلامة سفينتك كل عام لتستمر في جريانها، فتمخر عباب الحياة في سلام.

[email protected]

@shaika_2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X