همسة في التنمية.. الأمن والاستقرار الوظيفي
على الموظف مسؤولية تجاه عملية تحقيق الأمن والاستقرار الوظيفي

إن من أهم عوامل تعزيز الإنتاجية لدى الموظفين في أوساطهم المهنية هو شعورهم بالأمن والاستقرار الوظيفي، وهما عاملان يؤثران بشكل كبير ليس على الفرد فقط، بل على منظومة العمل بأكملها، والتي تتأثر بالضرورة بتأثر الجانب النفسي لدى موظفيها، ولذلك تحرصُ المؤسسات والمنظومات الناجحة على خلق أجواء تُعزز الشعور بالأمان لدى موظفيها وتسعى دائمًا لتثبيت دعائم الاستقرار الوظيفي الذي بدوره يُمثل نجاحًا جوهريًا لأي وسط مهني يهدف إلى الديمومة والنمو، ومع ذلك تتباين نسبة تحقق الأمن والاستقرار الوظيفي ما بين القطاع العام الذي يقع تحت مظلة الحكومات وما بين القطاع الخاص المُتأثر بالضرورة بالمُتغيرات الاقتصادية على وجه الخصوص، إذ إن درجة الأمن الوظيفي في القطاع الخاص تقل نسبتها عن القطاع العام، وهذا بسبب عمليات خسارة الوظيفة عبر الاستغناء أو تقليص النفقات في غالب الدول وعلى مُختلف ثقافاتها الاقتصادية، وهو ما يجعل فرص الاستقرار في القطاع العام أعلى بكثير.
ومن هذا المُنطلق نجد أن المُمارسات الإدارية الصحيحة بإمكانها بناء الاستقرار الوظيفي واستدامة النماء على حد سواء، ففي القطاع الحكومي يمكن خلق بيئة آمنة تقود إلى تعزيز الإنتاجية وإشاعة السعادة وتشجيع الكفاءات على العطاء والاستقرار. يكفي أن يُعطى الموظف أبسط حقوقه كالترقيات والحوافز والتطور الأفقي في الهيكل الوظيفي، وأن يُمارس عمله في جو من الاحترام المُتبادل والثقة، ما يخلق للموظف شعورًا بالاستقرار والإحساس بالأمان في وظيفته، لكن في المُقابل المُمارسات الإدارية الخاطئة هي التي من شأنها أن ترفعَ نسب الهدم في العملية التطويرية بسبب فقدان الأمن والاستقرار الوظيفي، ولذلك تعتبر المُمارسات الهدامة للكوادر العاملة أحد أهم المُثبطات لإنتاجية الموظفين وأدائهم، ما قد يُلقي بآثاره على حياتهم الاجتماعية.
لذلك دور القائد مُهم بدرجة كبيرة في صناعة الأمن والاستقرار الوظيفي، إذ عليه إدراك أهمية موقعه بالنسبة للموظفين، مع الحرص على تجنب سطوة الإدارة العاطفية للمسؤول على الإدارة المهنية الاحترافية، والتي قد تُخل معها معايير العدالة والمساواة، وهذا يكون عبر الاحتواء المُتزن من قِبل القائد لموظفيه، والحرص على تطويرهم بشكل مُستمر، مع تعزيز أساليب المُعاملة الإيجابية وإعطائهم الثقة ومنحهم الصلاحيات بناءً على المسؤوليات المناطة بهم، وحل المُشكلات معهم بروح الفريق الواحد، مع أهمية إشراكهم في صناعة الغد ووضع المشاريع وخطط التطوير ليكونوا جزءًا من قصص النجاح فيها.
إن على الموظف نفسه مسؤولية تجاه عملية تحقيق الأمن والاستقرار الوظيفي، بالالتزام بالواجبات الوظيفية واتباع اللوائح والإجراءات والمُشاركة الإيجابية في فرق العمل والمُبادرة في طرح الأفكار الإبداعية، كلها أمور تولد لديه الإحساس بالأمن والاستقرار الوظيفي، خاصة إن قوبل التزامه وجهده بالتقدير والتحفيز، إذ إن مشاعر القلق تزيد بشكل تلقائي لدى العناصر التي تتقاعس عن أداء واجباتها وتفقد الرغبة في العمل بإبداع وتميز، لذلك عادة ما تملك هذه الفئة إحساسًا دائمًا بعدم الاستقرار والتخوف من المُستقبل.
ختامًا، صناعة الأمن والاستقرار الوظيفي مُهمة تشترك فيها كافة أطراف العمل الرئيسية، من قيادة إدارية تملك صناعة القرار، وقوى عاملة بيدها العطاء والتعامل بإيجابية دائمة مع مُتطلبات العمل، بالإضافة لوجود إدارة للموارد البشرية والمالية تضبط العمليات وتحرص على حفظ الحقوق وتحقيق العدالة، وبذلك فإن التزام كل طرف من أطراف هذه المُعادلة بواجباته المُتوازنة ومسؤولياته تجاه الأطراف الأخرى بدرجة عالية من الحرص والاهتمام سيُسهم في تحقيق هذا الوضع الآمن والمُستقر، والذي يعتبر أبرز السمات التي تتميّز بها مؤسسات ومنظومات العمل الناجحة والمُتميزة.
خبير التنمية البشرية