
بقلم/ توجان فيصل:
أجدني مُضطرةً لتناول قضية يُساء بها للإسلام بظن أو زعم «والله أعلم أيهما لأنه عالم بما في القلوب» أنها تخدم الإسلام والمُسلمين، وهي قضية الفتاوى التي تُنشر باسم الإسلام ويصدرها «دعاة» يسمون «مرجعيات» بكل ما تحمله الكلمة من معنى لا يتسق أحيانًا مع حقائق مُثبتة فيما يتم الرجوع له وهو أحكام «الإسلام»، ولم نجد من يُمحصها لجهة علاقتها بالإسلام تاريخيًا وبدءًا بما كان يُطبق في عهد الرسول. ولا أزعم هنا طرح فتوى مُقابل فتوى، بل مجرد بيان علمي تاريخي ل «حقائق» مُثبتة ولا خلاف فقهيًا عليها.
الشأن المطروح بفتوى بربط قيمة عملة (هي الجنيه المصري هنا ولكن الفتوى تمتد لأية عملة لأي من بلاد المُسلمين) بأية عملة أخرى، كون الداعية المصري صاحب الفتوى التي أعلنها من برنامجه «لعلهم يفقهون» من على فضائية «دي إم سي»، نوه لما اعتبره «خطأ جسيمًا يقع فيه البعض، مُتعلقًا بربط الجنيه المصري بالدولار». والأخطر أنه يطرح هذا ليس كرأي له بل كحكم إسلامي لا يجوز معه للمُسلم ربط عملته لا بالدولار ولا بالذهب، بل ربطه فقط ب «الإيمان بالله»، شارحًا ذلك بقوله «كلما كان الإيمان قويًا بالله، كان الاعتماد على الله أنه ييسر الأرزاق، ويخفض الأسعار، ويصنع الاستقرار والحياة ويجلب الخير والسلام»، ونسي أن الإسلام يدعو إلى العمل.
وبالعودة لنهج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، القمة في الأمانة في تبليغ الرسالة، و»سننه» (صلى الله عليه وسلم) التي تلي النصوص القرآنية المُنزلة في وجوب الاتباع، نجد أنه لم تصدر عنه وعود و»أحكام» مُفترضة كهذه، بل إن الرسول حين سُئل عن أمور أخرى دنيوية، أجاب بحدود معرفته، فيما أحاديث الرسول والأفعال والمواقف المُتضمنة ل «سنن» نبوية أتت جلية، وهي سجل كبير معروف إسلاميًا، الحكمة منه ومدى إلزاميته كسُنة نبوية تأتي تحديدًا في إطار الشرع ولتطبيق الشرع الإلهي.
والأهم الذي جرى في الواقع ويوضح مدى شرعية هكذا إجراء في الشأن النقدي في الإسلام، نعيد القارئ لما كان يجري في عهد الرسول ومن بعده في عهد الخلفاء الراشدين، ما يوجب النظر إليه كجزء من أحكام الشرع الإسلامي في إدارة مالية الدولة، وجزئية «النقد» فيها تحديدًا، نجد أنه:
1- في عهد الرسول استعملت عملات عدة أكثرها شيوعًا عملة هرقل والعملة الخسروية والعملة الحميرية والعملة الحبشية. وقيمة كل من تلك العملات أتت من كونها سكت من الذهب، فعملة الإمبراطور هرقل سكت بذهب عيار 22 وكانت تحمل صوره وصور أولاده.
2- استعمل في عهد الرسول أيضًا الدرهم الساساني الخروسي نسبة لخروسو الثاني (كسرى الثاني) ملك الدولة الساسانية في بلاد فارس. وكان مصنوعًا من الفضة.
3- والدرهم جرى تعريبه بإضافة ألفاظ التعريب وهي «الحمد لله» و»الله أكبر» و»سبحان الله» واستخدم في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وصولًا لزمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي أمر بسك العملة الإسلامية، الدينار والدرهم لأول مرة.
4- في العهد الأموي استخدم الفلس المصنوع من النحاس لأول مرة.
أي أن ربط العملات بالذهب والفضة وحتى النحاس كان بحسب ثمن المعدن الذي سكت به، ومثله ما يجري حاليًا بربط العملات الورقية بمخزون الذهب في البنوك المركزية. ويجري ربط آخر للعملات الضعيفة بعملات أكثر قوة لتوفر فرصة التعامل بها بثقة، وتعدل بحسب قيمتها الفعلية قياسًا بالعملات الرئيسة كالدولار. وبغياب أي ربط لها بالذهب أو بتقييم نسبتها لعملة دولية رئيسة، هي تفقد قيمتها ومصداقيتها خارج حدود القطر الذي تتبعه، بل وداخله لأنه لا أحد يرغب بعملة لا يعترف بقيمتها بمخزون ذهب أو قياسًا بعملة قوية.
كاتبة أردنية