كتاب الراية

بيني وبينك …. رسالة الكِتابة

الرّسالة في الكتابة تجعلها ذات معنًى وقيمة وتأثير في نفسِ القارئ

إنَّ الله الّذي أنعمَ عليَّ بهذا الحرف، ومكّنني بفضله منه، أوقفني على ثَغْر، وأوجبَ عليَّ أمانةً أنْ أؤدِّي حقَّها، فأنا اليوم -أُحاول- في كلّ ما أكتبُ أنْ أذُبّ عن ديني ولُغتي وعروبتي وأنْ أقول الحقّ ولو جرَّ عليَّ ما يجرُّ، فَمَا قدّره الله ماضٍ، وأسأله تعالى القَبول، فإنْ قَبِل فَلَه المنّة، وحُقّ لي أنْ أقول وافرحتاه. وإنْ ضَرَبَ به وجهي -لا قدّر الله- فحُقّ لي أنْ أقول واحسرتاه على ما فرّطتُ في جنب الله، وواحسرتاه على ضيعة الأعمار عبثًا، وإنّني لأرجو الله ألاّ أكون مِمّن قال فيهم: «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَبَاءً مَنْثُورًا». بل إنّ كلّ جارحةٍ فِيّ تدعوه أنْ أكون مِمّن قال فيهم: «والّذين جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنين» .

وهذا لا يمنع أنْ يكون في خاطري وخاطر كلّ كاتبٍ ذلك النّزوع والحُبّ إلى أنْ يعرفه الآخرون، أنْ يكون له ذِكْرٌ في حياته وبعد مَماته، كما قال شوقي:

فَارْفَعْ لِنَفسِكَ بعدَ موتِكَ ذِكْرَها

فالذِّكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثانِ

يظنّ بعضُنا قُرّاءً وكُتّابًا أنّ الرّسالة في الكتابة تمنع الأدب، وأنّها تُخفِتُ شُعلة الفنّ، وأنّ ما تعتقدُه يجب أنْ يكون خارجَ ما تكتبه، إذ إنّ اعتقاداتك ومواقفك الفِكريّة تجعل كتاباتِك أقربَ إلى المُباشرة والوَعْظيّة. وهنا يجب أنْ نسأل: وهل الرّسالة في الأدب تمنع الفنّ بالفِعل، وأنّ على الكاتب أنْ يخلعَ رداءَها عنه قبل أنْ يُباشِر برَقْم أوّل حرفٍ من حروفه؟! الإجابة بالطّبع: لا. فالرّسالة في الكتابة هي الّتي تجعل الكتابة ذات معنًى، وذات قيمة، ويُمكن أنْ يكون لها تأثيرٌ في نفسِ القارئ، وتملكُ الاستِمراريّة في ذاتها. ولا تنتهي غير تلك الكتابات الخالية من الرّسالة والقيمة الّتي تعتمد الإثارة الحِسّيّة مُرتكزًا لقيامها.

ولنذهبْ إلى الكُتّاب الّذين أسرعتْ بهم أفكارهم إلى معارج الخلود؛ هل كان هؤلاء الأدباء الخالدون إلاّ أصحاب رسالة؟! وهل أبقى الدّهرُ من الأدباء إلا ذلك النّوع الذي ضَمّن رسالته في حروفه؟ والأمثلة على ذلك في الشّرق والغرب أكثر من أنْ يُحيط بها حَصر.

غير أنّه إذا وقفْنا على الضّفّة الأخرى من النّهر فيجب أنْ نعترف أنّ الرّسالة وحدها لا تصنع كتابةً جيّدة، فلا يرفع شرفُ الفِكرة شرفَ الحرف، وما لم تكنْ أنتَ صاحبَ حرفٍ نَبَويّ فستسقطُ كتابتُكَ في الطّين.

إنّ كلّ الّذين حُوربوا من الأدباء وضُيّق عليهم في أصقاع الأرضِ كُلّها إذا نظرتَ إلى تاريخهم ستجد أنّ الّذي جَرّ عليهم ذلك هو شَرَفُ الفكرة في شرف الحرف، وسُمّو الرّسالة في سُموّ العِبارة، وإلا فإنّ صاحبَ فكرةٍ ورسالةٍ لا يملك قلمًا لن تُجاوزه فكرتُه، وصاحبُ قلمٍ لا يملك رسالةً لن يرقى به قلمُه.

الأردنّ

AymanOtoom@

[email protected]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X