تجربة حياة.. قوة الصبر مقابل قوة التحديات
مفهوم الصبر ما بين المهارة والمبادرة.. والخضوع والانكفاء

كثيرة هي التحديات التي نخوضها مع الحياة، ومتنوعة هي في حدتها وتأثيرها على كل منا، تنوعًا يجد أساسه في اختلاف مقاربتنا لها، بما يتوافق في المقام الأول مع طريقة تفكيرنا، قناعاتنا، معتقداتنا، ثقتنا بقدراتنا ومن ثم في الكيفية التي نراها الأمثل للأخذ بها تمهيدًا لمعالجتها واجتيازها إن لم يكن بالانتصار عليها فإنه يكون على الأقل بالخروج منها بأقل الخسائر المُمكنة على كافة المستويات التي تطالنا بها.
وكثيرًا ما اقترن الحديث عن الصعاب والتحديات بالتطرق إلى الصبر كدرع للصمود والتماسك، ولكن الصبر هو أكثر من مجرد مفهوم للاحتماء، إنه خُلق للتعامل وأداة للعمل متى ما اقتَرَنَا، انكشفت لدينا -في خضم أعتى التحديات -أفضل الأساليب للعمل بها وأنجح المسارات لخوضها، فأتت النتائج- مهما طال أمد تحققها- في معظمها محمودة وخالية من الندم.
نعم في التحديات قوة قد تواجهنا في وقت وفي ظرف وفي ظل معطيات نحن بها أضعف بكثير من مجابهتها، لا سيما عندما تحمل معها ما لم نختزن إزاءه أية تجربة سابقة تمكننا من استرجاع ما اختبرناه للاستفادة من خلاصة ما تركته فينا من دروس وعبر، مثل هذه التحديات تجعلنا نرى أنفسنا حتى قبل أي أثر تحدثه بأننا قاصرون عن فهم ما هي، عن سبيل التعامل معها، عن مصادر قد نستمد منها القوة لنبقى على ثباتنا أمام كل استحقاقاتنا في الحياة، فلا نرى معها إلا أننا ضعفاء وليس هنالك مفر من التحمل ريثما تمضي هي أو نتمكن من اجتيازها نحن.
ولكن في المقابل، كيف يمكن لنا أن نبقى قادرين على الثبات بكياننا الجسدي والعاطفي وإنقاذ ما تبقى من ذاتنا فيما لو تركت زمام تلك التحديات على انفلاتها في إنهاكنا وفي استهلاك قوانا ولم نمتلك قوة مقابلة نتسلح بها أمامها؟
إنه الصبر بكل ما يحمله من قوة ما، نحتاج أن نتقن ممارسته حتى نحترف استخدامه بكل مهارة، والأوْلى أن نبادر به مع أفكارنا، مشاعرنا، ردات فعلنا، رغباتنا، لا أن نخضع به وننكفئ بضعف وانهزام.
كن صبورًا بما يكفي مع نفسك وبادر إلى التعرف على الصورة الكاملة لأي تحدٍ تعيشه من الداخل، كي تتعرف على مدى قوته، فتتمكن من معرفة مقدار القوة التي تحتاجها من الصبر كي تتحمل، تهدأ وتختار بحكمة طريقة تفكيرك وأداة تصرفك دون أن تنكر على نفسك بأن تعيش الألم والمعاناة أثناء مسيرها في رحلة الاجتياز، لأنهما جزء لا يتجزأ من الثمن الذي تحتاج أن تدفعه كي تستحق الوصول إما إلى ما ترغب به وإما إلى تحقُق ما هو مقدر لك أن يتحقق.