
عيناتا – (أ ف ب):
كل ليلة بعد حلول الظلام، يقوم غاندي رحمة مع عشرة من سكان قريته الجبلية عيناتا الأرز في شمال شرق لبنان، بدوريات لحماية أشجار معمرة من القطع والاتجار بحطبها، بعدما تفاقمت الظاهرة وسط أزمة اقتصادية تنهش البلاد. ويقول رحمة (44 عامًا) وهو عنصر في شرطة بلدية القرية التي ترتفع 1700 متر عن سطح البحر وتقع عند الحدود بين محافظتي البقاع في شرق البلاد والشمال، قرب غابة الأرز، «قطعت أكثر من 150 شجرة سنديان يعود عمرها إلى مئات السنين»، واكتشف الأمر في سبتمبر. ولم يبقَ من الأشجار المقطوعة تحت جنح الظلام إلا جذوعها الضخمة. وتفاقمت الظاهرة، بحسب سكان، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ خريف العام 2019، إذ بات أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر. ويعاني نحو مليوني شخص، بينهم 700 ألف لاجئ سوري، من انعدام الأمن الغذائي. وبات الاعتماد على المازوت للتدفئة مكلفًا للغاية، مع رفع الدعم الحكومي عن استيراد الوقود وفقدان الليرة أكثر من 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار وتراجع القدرات الشرائية للسكان. وعادة ما يُسمح لسكان المناطق الجبلية بقطع الأشجار «المريضة» أو العاجزة فقط، بإشراف مباشر من البلدية، لاستخدام الحطب من أجل التدفئة خلال موسم الشتاء. لكن في الأشهر الأخيرة، تفاقم القطع بطريقة عشوائية، بشكل لا يسمح للأشجار بالنمو مجددًا، ما يعني القضاء عليها نهائيًا -وفق غاندي- وللحؤول دون مواصلة المجموعات والأفراد القطع غير القانوني، انضمّ المُزارع الستيني سمير رحمة، إلى مجموعة الحراس المتطوعين، بعدما تولى سكان غالبيتهم من المغتربين تمويل احتياجاتهم في ظل تراجع قدرة السلطات المحلية على أداء واجباتها. ويقول سمير «حدثت مجازر مرعبة العام الماضي»، لكن الوضع بات قيد السيطرة منذ بدء خروج الحراس في دوريات ليلًا.
مجازر بيئية
تُغطي الأحراش 13 بالمئة فقط من مساحة لبنان، وفق وزارة الزراعة، جراء التوسع الحضري وازدياد الحرائق التي تشهد ارتفاعًا في وتيرتها خلال السنوات الماضية. بعكس عيناتا، لم يحالف الحظ بلدة برقا المجاورة. ويقول رئيس بلديتها غسان جعجع «باتت الميزانية التي تخصّصها لنا الدولة هزيلة»، ما دفع المجلس إلى البحث عن طرق بديلة لحماية أحراش المنطقة، على غرار عيناتا. وبتمويل ضئيل، شكلت البلدية مجموعة حراس للقيام بدوريات، لكنها لم تتمكن من منع عمليات القطع العشوائي تمامًا «على ضوء حجم الظاهرة». ويصل قاطعو الأشجار إلى أحراش برقا المرتفعة مستهدفين بشكل أساسي أشجار اللزاب المعمرة. ودق مؤسس ورئيس «جمعية الأرض» بول أبي راشد مؤخرًا ناقوس الخطر محذرًا من ازدياد «المجازر البيئية» خصوصًا تلك التي تطال أشجار اللزاب في كل أنحاء البلاد. لكن تلك الأشجار وغيرها أصبحت خلال السنوات الماضية هدفًا لمجموعات «منظمة» يعتقد أنها تبيع الحطب وتجني أرباحًا منه في خضم الانهيار الاقتصادي، وَفق ما يقول سكان ومسؤولون محليون. ويقول يوسف طوق، الطبيب والناشط البيئي البارز ومؤسس جمعية بيئية في منطقة «بشري» في شمال البلاد «قطع شجرة اللزاب جريمة لا تختلف بالنسبة إليّ عن جريمة قتل رجل».