الأصل أن يتم الوفاء بالالتزامات المالية عن طريق دفع مبلغ من النقود باعتبارها أداة التعامل قانونًا وعُرفًا. ولو أننا تصورنا حَجم وضخامة المعاملات المالية، وما تقتضيه من ضرورة الاحتفاظ بكمية كبيرة من النقد لأمكن أن نتبين مدى ما يتعرض له حاملها من متاعب مادية في حملها، فضلًا عن مخاطر السرقة والضياع. ومن ثم اقتضت الضرورة العملية إيجاد وسيلة تتفادى كل العيوب السابقة، وفي ذات الوقت تقوم مقام النقود في الوفاء. وهكذا كانت بداية ظهور ونشأة الشيك كأداة للتعامل، ويقوم مقام النقود في الوفاء، أي أن يكون من شأنه أن يستوفي الدائن حقه لدى المدين عن طريق شخص ثالث بين يديه مبلغ من المال لذمة المدين تكفي للوفاء بقيمته.
ونظرًا لأهمية الشيك كأداة وفاء مثل النقود، كما أنها تلعب دورًا هامًا جدًا في الحياة الاقتصادية والمعاملات التجارية يوميًا، فقد حرص المشرع القطري على توفير حماية جنائية للشيك أكثر من غيره من الأوراق التجارية؛ حتى لا يساء استخدامه كوسيلة للاستيلاء على مال الغير، ولتدعيم الثقة فيه، بالإضافة إلى حماية المتعاملين به. فالجزاءات المدنية قد تكون غير كافية أو غير مجدية خاصة إذا كان ساحب الشيك مفلسًا أو معسرًا، من أجل ذلك كان من الضروري النص على عقوبة جنائية لمن يخل الثقة بالشيك.
وقد جرم المشرّع القطري «إعطاء شيك بدون رصيد» وذلك في المادة (357) من قانون العقوبات القطري بنصه على أنه « يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب بسوء نية أحد الأفعال التالية:
1- أعطى شيكًا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك.
2- سحب بعد إعطاء الشيك كل المقابل أو بعضه، بحيث لا يفي الباقي بقيمته.
3- أمر المسحوب عليه الشيك بعدم صرفه.
4- تعمد تحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع من صرفه.
5- ظهر لغيره أو سلمه شيكًا مستحق الدفع لحامله، وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف.
يتبين لنا من خلال النص السابق، أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تنهض على ثلاثة أركان: أولها محل الجريمة وهو «الشيك»، وثانيًا: الركن المادي للجريمة، وأخيرًا الركن المعنوي المتمثل في صورة القصد الجنائي.
أولًا: محل الجريمة «الشيك»:
عرف المشرّع القطري الشيك في المادة (452) من القانون رقم (27) لسنة 2006 بإصدار قانون التجارة بقوله «الشيك ورقة تجارية تتضمن أمرًا من الساحب إلى البنك المسحوب عليه بأن يدفع في اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره مبلغًا معينًا من النقود لأمر شخص ثالث هو المستفيد أو لحامله».
وبالتالي فالشيك يفترض قيام علاقة بين ثلاثة أطراف هم: أولًا: الساحب: وهو من يُصدر الشيك ويقوم بالتوقيع عليه. ثانيًا: المسحوب عليه: وهو مَن يلتزم بدفع المبلغ المحدد في الشيك (البنك). ثالثًا: المستفيد أو لحامله: وهو من يصدر الشيك لمصلحته. ولكن قد يحدث -في بعض الحالات- أن يكون المستفيد هو الساحب نفسه، إذا سحب شيكًا لمصلحته كوسيلة لقبض كل أو بعض المبالغ التي في ذمة المسحوب عليه. ويشترط لصحة الشيك ضرورة توافر نوعين من الشروط: شروط موضوعية، وشروط شكلية.
الشروط الموضوعية للشيك:
الشروط الموضوعية، هي الشروط التي تقررها القواعد العامة لصحة الالتزام بصفة عامة، وهذه الشروط هي الرضاء الصحيح والذي يتطلب -بداية- توافر أهلية الساحب المدنية لإصدار الشيك، بالإضافة إلى انتفاء عيوب الرضاء لديه، وأخيرًا محل الالتزام وسببه. فانتفاء الرضاء الصحيح يؤدي إلى بطلان التزام الساحب بدفع قيمة الشيك، ويستطيع أن يدفع الدعوى المدنية المُقامة ضده للمطالبة بقيمة الشيك ببطلان التزامه بذلك، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا تأثير لبطلان الالتزام المدني بالوفاء على الدعوى الجنائية المقامة ضد الساحب عن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد، إلا في حالة أن يترتب على انعدام الرضاء أو عدم صحته نفي ماديات الجريمة أو انتفاء القصد الجنائي لديه.
الشريك المؤسس لمكتب شرق
وعضو لجنة قبول المحامين