الحياة .. دار ابتلاء
اللّه أنزل علينا كتابًا بيَّن لنا فيه الحقائق الكبرى
البعض يؤمنون بوجود الآخرة ولا يعدون لها وزنًا
حياة المؤمن بعد الموت لا تقارن بحياة غيره من أهل الشرك

الدوحة- الراية:
أوضحَ فضيلةُ الشَّيخ محمد حسن طاهر أنَّ من تمام فضل الله سبحانه وتعالى وعظيم رحمته بالناس أن أنزل علينا كتابًا، بيّن لنا فيه الحقائق الكبرى، وأن من تلك الحقائق الكبرى التي أشار إليها كتاب الله ما جاء في سورة الجاثية في قوله تعالى «أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون».
وقال فضيلة الشيخ محمد حسن طاهر في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الشيوخ أمس: إنَّ هذه حقيقة عظيمة وربما تغيب- لا نقول تغيب عن عقل الإنسان، أنه إذا حاكمها بعقله فستعود- لكنها تغيب عن وجدانه تغيب عن شعوره في لحظات كثيرة، وهذه الآية جاء في سبب نزولها أن نفرًا من كفار قريش قالوا لنفر من المؤمنين: لئن كان هناك بعث وقيامة وحساب وجنة ونار فليفضلنا الله عليكم كما فضلنا عليكم في هذه الدنيا، ها نحن أكرم أنسابًا وأكثر أموالًا وأفضل أحوالًا وأتم عيشة وأوسع معيشة منكم، فكما أن الله فضلنا عليكم في الدنيا فسيفضلنا عليكم بعد الممات، هذا إن كان ثمة بعث وحياة بعد الممات فنزلت هذه الآية «أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون».
وأضافَ الخطيبُ: الإنسان الذي يظن أن الله يسوّي في الحياة وفي الآخرة بين مؤمن من أهل الصالحات عمَّر الإيمانُ قلبَه، وبين غيره ممن تسارع جوارحه إلى اكتساب الخطايا وتحصيل السيئات، وأن حياة هذا كحياة هذا وممات هذا كممات هذا، ذلك من سوء الحكم ومن عظيم الجهل ومن ضياع الحقائق ومن اختلال الموازين عند هذا الإنسان، والله سبحانه وتعالى يقول: «أفمن وعدناه وعدًا حسنًا كمن متّعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المُحضرين» هذان لا يستويان.
ولفتَ إلى أن من الأحاديث التي توازن بين الأمور موازنة عظيمة وشرح الحديث يطول لكن يقول «يؤتى أبأسُ أهل الأرض من أهل الجنة فيغمس غمسة في نهر من أنهار الجنة، فيقال له هل مر بك بؤس قط؟ هل رأيت شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط، هذه غمسة في ذلك النهر، قال ويؤتى بأنعم أهل الأرض، لم يذق مرضًا ولا بؤسًا ولا فقرًا ولا غربةً ولا وجعًا ولا آلام فراق، أنعم أهل الأرض، فيغمس غمسة في النار ثم يقال له هل مر بك نعيمٌ قط؟ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول لا، ما مر بي نعيم قط» هذه المقارنة بين الأبأس والأنعم، فما ظنك بمن هو دونهما؟، ومعظم الناس وكل الناس دونهما.
حياة المؤمن
وقالَ الشيخُ محمد حسن طاهر: إنَّ حياة المؤمن بعد الموت لا شك أنها لا تقارن بحياة غيره من أهل الشرك والكفر وغيرهم، لكن في هذه الحياة الدنيا هل حياة المؤمن أفضل من حياة الكافر؟ وإن كان الكافر مثلًا أغنى وأصح في بدنه وأظهر في عشيرته وأقوى في دولته، وأتم في أسباب الحياة وأوصل إلى طرق الكسب، وغير ذلك من الأمور التي يتفاضل الناس بها في حياتهم.
وأضاف الخطيب: هل حياة المؤمن أفضل؟ قل نعم، حياة المؤمن أفضل لأن الحياة أيها الأحبة ليست فقط ماديات يعطاها الإنسان بل الحياة في شعوره تجاه تلك الماديات في تفاعله مع تلك الماديات، في تأثره بحوادث الحياة وكما قيل ثمانية تجري على الناس كلهم ولابد للإنسان يلقى الثمانية، هي: حياة وموت واجتماع وفرقة وعسر ويسر ثم سقم وعافية، هذه التقلبات بين العسر واليسر والصحة والمرض والاجتماع والفرقة والموت والحياة هذه الأمور الكبرى التي تحدث للناس من البلايا ومصائب الدنيا، فقد الأحبة، قلة الصحة مع مرور الزمن، الشيخوخة والهرم، حوادث الدنيا المُفاجئة، كيف تكون حياة الكافر؟ كيف صبره عند المصائب؟ إلى من يلجأ وبمن يستغيث وبمن يلوذ؟ والمؤمن الصابر المحتسب يحتسب عند الله، هل تكون المصائب عليه كذاك؟ هذا عنده من يُسليه وعنده من يعزيه وعنده ما يصبر نفسه به وعنده الصبر وعنده إخوانه، وعنده الاحتساب عند الله، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «عجبًا لأمر المؤمن إن أمرَه كله له خير، إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له»، وكذلك الكافر نعمته بطَر وكبر ويرى نفسه على الناس وربما لو نُغّص عليه قليلًا لساءته نفسه كثيرًا ولتأثر كثيرًا، لذلك تجد كثيرًا منهم إذا قل عليه شيء في دنياه ربما ذهب ينتحر أو أصابه اكتئاب أو أحاطت به الهموم أو دخل في حالات نفسية مستعصية على أسباب بسيطة، لماذا؟ لأن المفاهيم وموازين النظر إلى الأمور مُختلة، فقليل من الحياة يفوته يدخله في حالة سيئة، طبعًا نحن نتكلم عن الأعم الأغلب. ونوَّه بأن من عباد الله -مؤمنًا كان أو كافرًا- من يثبته الله ويصبره ويربط على قلبه وينزل عليه من السكينة والرضا، هذا أمر مختلف لكن نتكلم في العموم، الذي لا يرى إلا أن الحياة حياة واحدة وهي الحياة الدنيا، مشيرًا إلى أن هناك من يؤمنون أن هناك آخرة لكن حياتهم كلها مبنية على الإرجاء ولا يعدون للآخرة وزنًا بتاتًا.