المحليات
خلال خطبة الجمعة بجامع الإمام.. الشيخ د. محمد المريخي:

ميزان الناس القاصر سبب الظلم والبلاء

العدل المحض توزن به القيم والمعتقدات

العدل تتميز به الحقوق وتقاس الأعمال والتصرفات

الدوحة – الراية:

أوضحَ فضيلةُ الشَّيخ د. محمد حسن المريخي -خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب- أنَّ ميزانَ الدين والشريعة ميزان الله أنزله الله تعالى ليزن الناس به أمورهم وأحوالهم الحياتية كلها، وما يعرض لهم في دنياهم ويدلهم على أخراهم، ميزان الله تعالى شريعته ودينه يهدي للتي هي أقوم في العقائد والتوحيد والبيان والحكم على صحة الأشياء وبطلانها، ميزان الله تعالى لا يختل ولا يبخس الموزون ولا ينقص المكيال، ولا يطفف، ميزان حق «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد»، يدل ميزان الله تعالى على كل خير، ويطرد كل باطل لا يعرف إلا الاستقامة والحق في كل كبيرة وصغيرة.

وأضافَ الخطيبُ: ميزانُ الله تعالى أحكامه وشرائعه متوازنة لا مُدخل فيه للهوى والمُحاباة، ولا مجال فيه للمصالح الخاصة والأغراض، هو العدل المحض وهو القسطاس توزن به القيم والمعتقدات والرجولات والشيم والمروءات، وبه تتميز الحقوق وتقاس به الأعمال والتصرفات، وضعه الله تعالى ولم يضعه البشر ولا يستطيعونه «والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان»، «الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان» لا يتأثر بأوقات ولا سطوة إنسان ولا جبروت، ولا تؤثر عليه ميول نفسية ولا نزعات شخصية ولا علاقات أسرية ولا انتماءات حزبية ولا ارتباطات دولية وإقليمية ولا أحوال عنصرية ولا حول ولا قوة للبشرية فيه، لا نقص ولا خلل ولا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير، «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا»، «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط»، «ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط» «ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين»، ذلكم هو ميزان الله المستقيم دينه الحق القويم.

وأردف: وأما ميزان الناس فَحَدّث ولا حرج عن خطئه ونقصانه وظلمه وطغيانه ومحاباته وميلانه، وهل جاء الظلم ونزل البلاء إلا بسبب ميزان الناس القاصر» الذي مصدره العقل البشري القاصر، تسيّره الشهوات والمصالح والمنافع والفسوق والعصيان، فكم ضيّع من الحقوق؟ وكم أهدر من الطاقات؟ وكم بدد من الأموال؟ وكم هضم من الحاجات؟ وكم ظلم وانتقص وقصر في ميزان الناس أو في موازينهم.

وقالَ الشيخ د. محمد حسن المريخي: إنَّ المرء يسعد إذا اعتمد ميزان الله تعالى ودينه القويم، فقاس بمقياس الدين، ووزن بميزان الإسلام فيقدم ويؤخر ويحل ويحرم ويرفع ويضع ويثمّن ويقدّر ويصحح ويخطئ، كل ذلك بناء على ما جاء في الوحي: كتاب الله وسُنة رسوله، ومتى نحّى الإنسان دين الله جانبًا وأرخى حبل الملة وهان عليه الدين وأخر في الاهتمام إلى الدرجات المتأخرة فقد اختل ميزانه وعمي عن الحق وحيل بينه وبين الصواب، «إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم» وإذا اختل الميزان عند الإنسان فلا تسأل عن قبيح ما يأتي به وما يذر وما يقدم وما يؤخر، ألم تروا إليهم كيف يأتون بالطامات والعظائم في الكفريات والمُبتدعات ثم يزينونها ويزخرفونها ويسمونها بغير أسمائها القبيحة، حتى يأتوا بالطامات في حق الله وفي حق رسوله، وفي حق الكتاب والسنة والمعتقدات، فهذا فرعون الضال الوثني عندما استكبر على الله وعلى دعوة موسى -عليه الصلاة والسلام- له، تجبر واختل ميزانه فقال «أنا ربكم الأعلى»، ولما اعتمد ميزان نفسه وشهواته قال «أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين» يعني أنه أفضل من موسى عليه الصلاة والسلام، ولما أعماه طغيانه وانتكس ميزانه قال عن موسى عليه الصلاة والسلام قال عن كليم الله «إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد»، ففي ميزان فرعون الطاغية أنه يخشى أن يبدل موسى الدين الحق أو أن يأتي بالفساد في الأرض، ولما طاش زبده وفرط زمامه قال «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»، فرد عليه القرآن، ردّ عليه ميزانه الخاسر ومقياسه العاثر «وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود»، وكان هذا هو نفس الميزان الذي استخدمه كفار قريش الذين رأوا محمدًا- صلى الله عليه وسلم- ليس أهلًا للرسالة والنبوة فقالوا «لولا نُزل هذا القرآن على رجل من القريتَين عظيم»، يقصدون أبا جهل في مكة وابن عبد ياليل بالطائف فقد كانوا يعظمونهما ويجلونهما، أما أن تُعطى الرسالة لمحمد عليه الصلاة والسلام فهذا لا يرضيهم! وهكذا عندما يختل الميزان عند الإنسان يعترض حتى على ربه العليم الخبير ويجترئ عليه بالرفض وعدم الرضا، ولقد سخروا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واستهزؤوا به، فقالوا عنه ساحر، سموه الساحر والكاهن والأبتر والشاعر والمفتري، قال الله تعالى: «وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون».

ولفت الخطيب إلى أنَّ في دنيانا أقوامًا يعتقدون اعتقادًا باطلًا يدل على جهلهم المركب بالعقيدة والدين بصفة عامة ومعتقدهم، هذا ما زينه لهم الشيطان إبليس عدو الله وعدو العباد، يقولون نحن لا نصلي ولكننا أحسن من المصلين، ويقولون نحن غير متدينين ولكننا أفضل من المتدينين، ونحن غير ملتزمين ولكننا أحسن بكثير من الملتزمين، ويقولون قلوبنا أطهر من قلوب أهل الدين والصلاة، فما الذي دفعهم عباد الله ليقولوا هذا القول الباطل البعيد كل البعد عن معتقد الإسلام؟ وما الذي جعلهم يركنون إلى هذا على كبير بلائهم؟ ومن الذي أقنعهم بتزكية أنفسهم؟ يقولون لا نصلي ونفعل كل شيء وسوف ندخل الجنة فرحمة الله واسعة وأنتم لا تملكون الجنة، «سبحانك هذا بهتان عظيم»، هذا كذب عظيم يبهت ويحير من يسمعه من عظمته، كيف تكون القلوب طاهرة يا عباد الله وقد هجرت الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، لقد رد الله تعالى على هؤلاء هذا المُعتقد الفاسد في كثير من آيات القرآن الكريم، كقوله تعالى «أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون»، إن هذا مجرد حسبان وظن وبهتان وتزيين من الشيطان، فلن يكونوا كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، لا في حياتهم ولا في مماتهم. بل سيلقوْن غيًا يعني عذابًا أليمًا.

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X