كتاب الراية

قضايا وأحداث.. كي لا ينسى الناتو أن تركيا دولة مسلمة

الدولة التي تسمح بالإساءة للإسلام ليس لها مكان في الناتو

ها هو العالمُ بأسرِه يُتابعُ ما استدعتْه معارضةُ تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لسياسات حلف الناتو التوسعية فيما بتعلق بعدد الدول الأعضاء، من مناقشات وجدالات غير مسبوقة بين الدول الأعضاء وتساؤلات حول أهداف الحلف ورؤيته. رغم أن اعتراضات تركيا على عضوية السويد وفنلندا ليست في حقيقتها أكثر من ممارسة لحقوقها التي تتمتع بها كل دولة من الدول الأعضاء. ومما هو معلوم في لائحة حلف الناتو، أن قراراته تصدر بإجماع الأعضاء، وتُمنع الطعون من قبل أيٍّ من الدول الأعضاء بعد اتخاذ القرارات. وحتى الآن، رأينا عددًا من اعتراضات بلدان أخرى غير تركيا بشأن العديد من المسائل المطروحة للمداولة، وقد قُوبلت تلك الاعتراضات بطبيعية وتم قبولها بصدر رحب من أعضاء الحلف. لذلك فإن المناقشات الحادة تجاه اعتراضات تركيا ستعرض مهمة الاتحاد ووظائفه لإعادة النظر فيها جملة وتفصيلًا.

لطالما أعربت تركيا عن انتقاداتها لحلف الناتو الذي بات يفقد مصداقيته منذ عدة سنوات، لا سيما في مسألة مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وتسليحها للمُنظمات الإرهابية في سوريا. ولأن الناتو بطبيعته تحالف دفاعي ووَفقًا للائحته يجب على جميع الأعضاء وقبل كل شيء، أن يتعاملوا مع أيِّ تهديد أو هجوم موجه ضد الدول الأعضاء بنفس المستوى من الجدية. لكنَّ أمريكا التي تعد أكبر أعضاء الحلف وجودًا في سوريا، تقوم بتسليح وتنظيم وتقوية نفسها بدلًا من الوقوف إلى جانب تركيا ضد التنظيم الإرهابي الذي يشكل تهديدًا واضحًا لتركيا. وفي مقابل ذلك، تقوم تركيا بعمليات عسكرية داخل سوريا ضد التنظيم المدعوم من أمريكا، والذي يرفع على معداته وأماكن تمركزه في بعض الأحيان العَلَم الأمريكي. وهنا يظهر في المشهد تناقض غريب، فبدلًا من دفاع الدول الأعضاء في الناتو عن بعضها البعض، لا تتوقف عن تبادل التهديدات فيما بينها.

في الواقع، تم توجيه انتقادات أخرى لأمريكا خلال عهد ترامب، مفادها أن الولايات المتحدة تتحمل العبء المالي الكامل لحلف الناتو. وقد صرَّح ترامب بنبرة حادة ولهجة غريبة دون مراعاة أي دبلوماسية، أن دول الاتحاد الأوروبي لا تفي بالتزاماتها المالية تجاه حلف الناتو. وفي الوقت نفسه، صارت الحماية التي يوفرها الحلف لأوروبا موضع شك وإثارة للجدل والتساؤلات بشكل متزايد. ومنها هل الناتو منظمة دفاعية مشتركة تحمي أوروبا أم أنها منظمة تسعى إلى وصاية الولايات المتحدة على أوروبا؟! فضلًا عما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون قبل عامَين فقط من أن الناتو فَقَدَ وظيفته بالفعل.

لكنَّ هذه المرة، بلغ السيل الزبى وصار النقاش أكثر تعقيدًا، فإنه بعد غزو روسيا لأوكرانيا، صارت الحاجة إلى منظمة لها فاعليتها مثل الناتو أكثر إلحاحًا من ذي قبل؛ لأن إقدام روسيا على تهديد دول أخرى مثل أوكرانيا بات أمرًا على مرمى البصر. رغم التصريحات الروسية بأنها لا تشكل مثل التهديدات التي تتخوف منها بعض الدول، إلا أن السياسة التوسعية لحلف الناتو وزيادة الدول الأعضاء، هما أمران يزيدان من استفزاز روسيا، فإن حالة الحرب الحالية تزيد من الضغوط على الموقف الدفاعي لحلف الناتو. هذا إلى جانب مسألة اعتراض تركيا؛ إذ تعتبر تركيا السويد وفنلندا دولتين داعمتين لأنشطة تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وتلوح بأنها ستستخدم حقها داخل الحلف في النقض (الفيتو) في مواجهة طلب انضمامهما ما لم تتوقفا عن ذلك الدعم.

إنَّه حق طبيعي جدًا من حيث إجراءات صنع القرار داخل الناتو، لكنهم لم يكونوا يتوقعون هذا الإجراء من تركيا. وعلاوة على ذلك، غيرت تركيا طبيعة اعتراضها على حادثة حرق القرآن الأخيرة في السويد، وغيَّرت طريقة نظرتها إلى القضية برمتها بتصريحها بأن الدولة التي تسمح بمثل هذا العمل المُعادي للإسلام لا يمكن قبولها في الحلف. وهكذا يرى العالم الدولة المسلمة الوحيدة في الحلف وهي تُذكِّر بأن للمسلمين مقدساتهم وقيمهم، وأنه يجب على الحلف أن يحترم ذلك أيضًا. وقد ركز الرئيس رجب طيب أردوغان – في خطابه في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية – على هذه القضية في اعتراضه على السويد ما دامت لا تحترم المعتقدات الإسلامية، وقال موجهًا خطابه للسويد: «ما دمتِ سمحتِ لمَن يهاجم القرآن الكتاب المقدس للمسلمين، فلن يكون لكِ مكان في الناتو»، ثم قال: إنَّه على استعداد للنظر في ترشح فنلندا وربما يقبل انضمامها منفردًا، دون النظر إلى الطلب الذي يجمعها مع السويد في ملف واحد؛ لأن موقفها من هذه القضية مختلف، ولذلك ستكون رسالته صادمة للسويد.

من الواضح أن ذلك تسبب في اندهاش وصدمة كبيرة لدى المجتمع الغربي ووسائل إعلامه. ويبدو أن فشل خُطة توسيع حلف الناتو، التي وُضعت في البداية – دون أن تأخذ مثل هذا الاعتراض في الحسبان – يثير غضب بعض الناس بشدة، لدرجة أن «جون بولتون» المُستشار السابق لـ «ترامب» لوَّح بمسألة (إخراج تركيا من الناتو) إذا لزم الأمر. وردًا على هذا المسار المستحيل تقنيًا، تحدث «بولتون» عن فك حلف الناتو وتشكيل اتحاد جديد دون وجود تركيا، إذا لم يكن هناك حل آخر. وبالطبع، فإنَّ تنفيذ اقتراح «بولتون» من المستحيل في هذه المرحلة، لكنه جدير بالملاحظة حيث أظهر أن اعتراضات تركيا تؤرق الكثيرين وتشلُّ تحركاتهم.

والخلاصة، لا بد للجميع أن يعرف أنه ما دام هناك اتحاد أو حلف معين وله قوانين معلومة، فعلى كل أعضائه الامتثال لتلك القوانين واللوائح. وبالنسبة لتركيا فإنها تعلن على مسامع الدنيا وتذكِّر جميع الدول بأنَّها ليست عضوًا غير مؤثرٍ في حلف الناتو، بل إنَّها واحدة من أقوى الدول الأعضاء، وتؤكد على أنها عضو مسلم في حلف الناتو؛ لذلك يجب على الحلف اعتبار أن التهديدات التي يتعرض لها المسلمون هي بالفعل تهديد للناتو نفسه. قد يبدو الأمر غريبًا، لكن تركيا تفتح كثيرًا من الملفات وتطرح عددًا من التساؤلات للتفكير والمُناقشة ومُراجعة الحسابات من جديد.

أكاديمي وسياسي وكاتب تركي

 

@yaktay

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X