نبضات.. الفقع (الكما)

في كلِّ أسبوعٍ نلتقي ونتبادل الأحاديث، لكنَ لأحاديث عبد العزيز جرسًا خاصًا. فهو يملك القدرة على خوض عددٍ من المواضيع في لحظة زمنية واحدة، يتحدث مثلًا عن مُباريات الدوري الإسباني، وفجأة ينطلق لكي يتحدث عن أزمة الدولار في لبنان، وعن غلاء سعر سمك الصافي، وفجأة ذكر لنا أن الحياة لا تُطاق.. كيف؟ قال: بالأمس أجبرتني أم العيال على شراء الفقع.. ولم يكن أمامي من خيار.. ذلك أن الهاتف النقال والاتصالات بين الصديقات أربكت العالم عندنا، تحدثت مع صديقتها بأن زوجها قد أحضر صندوقًا من «الفقع» وهي ليست أقل منها، وأنها سوف تقوم بإعداد الفقع حسب الطرق المألوفة وغير المألوفة.
انطلق المسكين عبدالعزيز «مجبرًا أخاك لا بطل»، عندما وصل إلى يقينه أن هناك أسعارًا متفاوتة وأن سعر الزبيدي أغلى من الماس. وهناك عدة أنواع منها ما هو مجلوب من بلاد الشرق ومنها من الغرب، هنا وقع في حيص بيص. ولم يكن أمامه سوى الاتصال بالقيادة العامة (زوجته)، وسمع وابلًا من الانتقادات كان في غنى عن سماعها، قالت لا فض فوها، وسكت حاسدوها: أنت طول عمرك ما تعرف كوعك من بوعك.. متى تعرف أن هناك أنواعًا.. اشترِ الزبيدي، هل فهمت؟ قال عبدالعزيز وهو يبلع ريقه كعادته، حاضر.. ووقف أمام البائع وهو يرتجف، كطالب في الصف الرابع الابتدائي قد نسي أن ينجز واجبه، وعبر تلعثم وتردد، سأل البائع بكم هذا؟، قال البائع: هذا بثلاثة آلاف ريال، هذا من أحسن الأنواع، شاهد عبدالعزيز الكمية وأصيب بلوثة عقلية وقال في صمت: «أيش صاير في البلد»، لا رزق البحر ولا رزق البر.. قال له البائع: تريد أم لا؟.. قال وهو متردد كم كيلو في الصندوق؟ قال البائع: كيلو ونصف.. صرخ عبد العزيز: يعنى الكيلو بألفي ريال؟!. لا حول ولا قوة إلا بالله، تردد كثيرًا ثم قال: ما عندك أرخص!! هنا قال البائع: عند جاري، لأني مُتخصص في هذا النوع، تدري كم تعب ذلك المسكين وهو يبحث عن هذا الكنز الثمين ساعات وساعات.. وبكم اشتريته. وأنا والله خدمة للمواطن أتاجر في هذه الثروة التي لا تُقدر بثمن.. تحرك عبد العزيز ببطء وهو يفكر.. إنه أمام أمرين.. كلاهما مر.. ثم تفتقت قريحته، فقال: منذ فترة اشتريت من أحدكم ومع الأسف فقد غشَّني، كان مليئًا بالتراب.. وكان بعضها قديمًا حتى إن زوجتي حفظها الله قامت برمي معظمها في الزبالة، نظر إليه البائع، وقال: يا أستاذ هل تريد أن تشتري أم لا؟.. أنا لا أريد قصة حياتك، في تردد، اشترى وهو يضرب أخماسًا بأسداس، أما في البيت فقد تلقى صفعة جديدة، عندما قالت الزوجة: ما تعرف تشتري حتى الفقع، نظر إليها وصمت ثم حوقل وهو يجر الخطى خارج المنزل.