
لم أبذل مجهودًا كبيرًا لأجده بل أرهقني، ما بذلته من جهد لأنْفُضَ ما علق بتلك المكتبة المُكتظة بالكتب، وبجوارها كمٌ هائلٌ من الملفات والوثائق التي تحكي عن قصص وحكايات.
كتابي لم يكن أصلًا قد ضاع لكنه لم يحظَ بأي اهتمام كما كان سابقًا، فلم يعُد مكانه تحت وسادتي أو على طاولة قهوتي، خلال فترات مُتقطعة أقوم بجولات بين تلك الخزانات وأرفُفها، ويبدو أنني كنت أحسب حسابًا لهذا الزمان، الذي ما عاد للكتاب مكانته كرفيق لصيق بأيادينا، في وقت بات الهاتف الذكي أو المحمول يحتل كل الأمكنة وبين طرقعات الأصابع، بل ما عاد له أزمنة وأمكنة محددة، فهو لكل الفصول، وبرامجه تتدفق كزخات المطر ولا تفرق بين الصغير والكبير، العالم والمُتعلم، وإن كان جاهلًا.
قبل سنوات بعيدة كنت من أوائل الجالسين على مقاعد الدرس بإحدى شركات الكمبيوتر بالدوحة، ودخل المُحاضر لقاعة الدرس وهو يعقد يديه للخلف مُمسكًا بورقة، ألقى علينا التحية وشرح لنا أن مُقدم برنامج مجلة المساء بالتلفزيون القطري يطلب استضافة دارسين ودارسات، ولم يكن عددُنا يتعدى العشرة ليحدثوا المشاهدين عن هذا الزائر المُدهش، الذي ما زال غريبًا عن الكثيرين بل لم يدخل لغالبية المؤسسات ودواوين الحكومة، طأطأ الجميع رؤوسهم، فلم يكن أصلًا الظهور في الفضاء الإعلامي مُرحّبًا به..
تبسّمت حينما لمحت وريقتي ذات اللون الأصفر بيدي المُحاضر فإذا به يسألُني ما الذي يُضحِكك، فأشرت له، أن الورقة تخُصني سجلت بها مُطالبتي أن تكون الدراسة عملية، فقد كنت أتوق لاقتحام هذا الصندوق السحري «الكمبيوتر» فإذا به يصدر قراره «أنت ستشاركين معي بالبرنامج» وقد كان، فسألني مُقدم البرامج ما الذي تطمح له «ست البيت والزوجة والأم» من دراسة وفك طلاسم الكمبيوتر، أجبته لأحفظ سجلات الأسرة ومُستنداتها وكتبًا يصعب عليّ توفير أرفف لها بمسكني، فهل كانت تلك نبوءة مُبكرة عن حال الكتاب في هذا الزمان، وقد ملأ الأرفف وفاض دون أن يجد من ينفض عنه تراكمات الأتربة والغُبار وفك طلاسم حروفه، إلا من رحم ربي، وربما كثيرون مثلي نسجت العنكبوت خيوطها بين صفحات كتبهم، فما عاد الكتاب رفيق السفر والتجوال ولا تحت وساداتنا أو على طاولاتنا، في ظل هجمة شرسة وسطوة من الهاتف الجوال الذي بات رفيقنا وصديقنا نطرقع أحرفه بين ناظرينا وأينما كنا ليلًا ونهارًا، وما ضاع كتابي لكنه تراصّ ضمن ديكور منزلي.