
كلُّنا نعلمُ أنَّ نسبة حالات الطلاق في مجتمعنا مرتفعة وتدعو للقلق، وهي في تصاعدٍ مستمرٍ مع زيادة وتَكرار الزيجات الخاطئة التي تحمل بذور فشلها عند إتمام عقدها، إن أسباب الطلاق كثيرة ولكل حالة أسبابها، وإن عرف بعض المُقربين منهم الأسباب، تظل الدوافع الحقيقية كامنة في أذهان صاحبَي العلاقة أو أحدهما على الأقل.
لا شكَّ أنَّ إنشاء علاقة من أي نوع على أُسس هشة سوف تنهار أمام أول اصطدام مع أي تيار مُعاكس لمصلحة أحد الطرفَين، فعندما يكون مفهوم الرجل للزواج من منطلق واحد فقط هو أنه يتزوج لأن الرجال يتزوجون ولا يصح أبدًا أن يشذَّ عن القاعدة، فهذه هي دون ريب الطامة الكبرى على مستقبل الأسرة، إذ إن الزوج صاحب هذا المفهوم تظل فكرة الزواج لديه «عقيمة» لا تخرج عن مفهوم إعداد بيت والقيام بالتزامه المادي فقط، يدخله وقتما شاء ويخرج منه وقتما شاء، وهو متحلل من ارتباطه الجديد، لا يذكره بقدر ما يذكر أصدقاء أيام «العزوبية» !
وعندما تتزوج الفتاة، سواء كان زواجها بعد قصة حب ملتهبة عاشتها مع حبيب العمر -إلا أن نارها كانت بردًا وسلامًا على قلبيهما- أم كان زواجًا تقليديًا خالصًا وقلبها خالٍ من العشق والغرام ولا تشكو من عذابات سهر الليالي، تتصور هذه الفتاة أنها ستعيش حياة عسلية دائمة طوال رحلة الحياة الزوجية!، هي لاشكَّ صورة وردية ومن حق أي فتاة أن تنظر إلى الحياة الزوجية من خلال منظار وردي، لكن من الواجب أن تعرف أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تكون بهذا اللون الوردي إلى ما لا نهاية، وللأسف فإن بعض الزوجات يعتقدن أن وصول رحلة الحياة الزوجية إلى تلك النهاية التعيسة وغير المتوقعة كان بسبب غدر الزوج لأن ظروفه الاقتصادية أو الاجتماعية قد تغيّرت عن ذي قبل، مع أن الحقيقة أبعد ما تكون عن الغدر أو عن إحساس الزوج، أنه في ظروف مختلفة وأوضاع أفضل، نحن لا نقول طبعًا إن الزوج بريء وأن الزوجة مذنبة، ولا نقف أيضًا إلى جانب الزوج ونقول إن تصرفاته سليمة تمامًا من كل الشوائب، فلا يوجد إنسان كامل فالكمال لله وحده، المسألة أن الزوجة هي صاحبة أكبر «الأسهم» ليس في (البورصة) بطبيعة الحال، ولكن في شركة الحياة الزوجية، وهذا يعني أن مسؤولياتها أكبر، فعندما تفشل أية حياة زوجية، فإن أصابع الاتهام تتجه مباشرة في معظم الحالات باتجاه الزوجة، وتقول إنها المسؤولة عن هذا الفشل، ولا ينقذها من هذا الاتهام إلا أن تكون عيوب الزوج أكبر من أن تخطئها عيونُ الآخرين، والحياة الزوجية لا تخلو من وجود مشاكل قد تكون كبيرة وعميقة بين الزوجين، لذا فإن نهاية حياتهما الزوجية قد تطرق باب بيتهما في أي وقت وليس للزوجة ذنب في مثل هذه النهاية سوى أنها صاحبة الاختيار، ويتضح أنها قد أساءت الاختيار أو اندفعت فيه عن عاطفة لم تُفسح مكانًا أو مجالًا لصوت العقل، بل تركت المجال لصوت العاطفة أن يتحكم في مشاعرها كيفما شاء.
إنَّ أساس الزواج هو الاختيار الحُر وهذا الاختيار لا يكون إلا مع إرادة حرة، صحيح أن تقاليد المُجتمع عندنا قد لا تسمح بهذا إلا بقدر محدود، غير أنه كلما ضاقت المسافة كانت الحاجة للدقة في الاختيار ومعاونة عائلتي الطرفين من هذه الناحية مهمة، فالزواج ليس علاقة بين اثنَين فقط، بل هو رباط بين عائلتَين فيهما أعمام وأخوال وأصهار وعلائق اجتماعية، من هنا يكون دور الأهل أساسيًا في الزواج، ولعل أكثر الزيجات الفاشلة، تلك التي تتم دون موافقة العائلتَين أو إحداهما، ومما لا شك فيه إن حسن الاختيار مهم، والأهمُ مباركة أهل العروسَين.