تأملات عابرة.. المحاولة وحدها لا تكفي
كلّما اعتراكَ ذلك الشّعورُ الشديد بالتّعب اعرفْ أنّكَ قريبٌ جدًّا من هدفكَ

الفراغُ مادةٌ قاتلة،
أنكرَتهَا دروس الفيزياءِ
لا يملؤهَا وجودُ الأصدقاء
ولا كُوبُ الشّايِ الدّافئِ عَلى المِنضدة
ولا مقبرة السجائرِ
ولا جرائدُ الصّباحِ ولا الأخبارُ العاجلة في المساء.
الوحدةُ شيءٌ من الفراغِ لا تملؤُها الوجوهُ في الشّارعِ كمَا تَمتلئ الحافلة، ولا الأحاديثُ العبثيّة كلّ ليلٍ ولا نبتةُ الصبّار المُصطنعة، ولا زهرةٌ في أصيصٍ صغيرٍ على النّافذة.
لا أهدافُ الفريقِ ولا أصواتُ المُشجّعين، ولا الفوز في الشطرنج ولا نهاية الفيلمِ ولا مقدّمة الكتابِ ولا الكرسيّ الفارغ في محطّة الحافلاتِ..
توجدُ كلّ الأشياء وأنتَ غيرُ مرئيّ، تمرُّ عبركَ اللّحظاتُ، تَراها ولا تُمسكها، لا تشعر بشيءٍ
تتنهّد، تسقي نبتة الصبّار البلاستيكيّ التّي في الأصل لا تحتاجُ إلى الماء، لكنّها حقيقيّة أكثر منكَ تشعرُ بضوءِ الشّمس على زيفهَا بينما يَعبر منكَ الضّوءُ كزجاجٍ شفّاف..
أحيانًا المحاولة وحدها لا تكفِي، وأن تبذل كلّ ما في وسعكَ لا يكفِي، بعض الهزائم مؤلمة أكثر من الأخرى لأنّكَ حاولتَ فيهَا أكثر..، بل كنت قريبًا من الانتصار لكنّك في النّهاية لم تشعر به..
أستيقظُ كلَّ صباحٍ وأحاولُ أنْ أصنعَ من هذا الإنسانِ الذّي أراهُ في المرآة شخصًا آخر غير الذّي كان عليهِ البارحة، أعملُ في صمتٍ، أغيّر بهدوءٍ، أمشِي بخطواتٍ بطيئةٍ وواثقةْ..
أعرفُ وأؤمنُ بشدّةٍ أنّه ذات يومٍ سأستيقظُ وأنظرُ في المرآةِ وأكون راضيًا تمامًا عن هذا الإنسان الذّي صرتُ عليه، هذا الإنسانُ الذّي كنتُ أنحتُ تفاصيلهُ مع الأيّام.
– هل شعرتَ يومًا بالتّعب، علّك شعرتَ برغبةٍ شديدةٍ فِي الاسْتسلام ؟
-نعمْ دائمًا..
– كلّما اعتراكَ ذلك الشّعورُ الشديد بالتّعب والرّغبة القوّية في تركِ كلّ شيءٍ والهروبِ، اعرفْ أنّكَ قريبٌ جدًّا من هدفكَ، وأنّ النّجاحَ بعدَ تجاهل ذلك الشّعورِ تمامًا ولا يفصلكَ عن كلّ الأشياءِ التّي تريدها إلا مواجهةُ تلك الرّغبة الداخليّة في الاستسلام، ذلك ما يفصلُ بين النّجاح والفشلِ.. مقاومة رغبتكَ الشّديدةِ في العودة إلى منطقةِ الرّاحةِ الخاصةِ بك.
كنتُ أعيش دائمًا على أملٍ أن أنتمِي، أجوبُ الأرجاءَ، أبحثُ عن أغنيةٍ بلحنٍ جميلٍ تجذبُنِي إليها أو لوحة تجريديّة لفنّانٍ مجهولٍ أقفُ على ناصيتِها وأتبعثرُ، أو مجموعةٍ من وجوهِ الأصدقاءِ من مدارج الكلّية وحلقاتِ المقهى وسهرات الحيِّ أو كتابٍ قديمٍ يكسوهُ الغبارُ في مكتبة قديمةٍ، أو شخص تُشبهنِي ملامحهُ الباهتة التّي توحِي بالضّياعِ، وحين أدركُ في النّهاية أنّني لا أنتمي إلى كلِّ هذا، أجدُ نفسي وحيدًا داخلَ حدود غُرفتي الضّيقة، غريبًا في هذا العالم الصّغير، لأيّام أنزوي وأتحدّث مع غربتي.. وحينها فقط أدركُ أنّني لا أنتمي إلا إليَّ.