
قالَ لي: ما أصعبَ الشعورَ بالعجز أمام مَن تُحب!
فقلت: وما العجبُ؟!
حيث أرى أنَّ فلسفة العجز ضرورة لتجربة الحياة وتشكيل أحداثها، فهو حالة شعوريَّة، يمكن أن تستمر لدقائق أو تمتد لأبعد من ذلك بكثير، فنحن نمر بحالة من الشعور بالعجز في كل يوم وبصورة متواصلة، ربما دون أن ندرك ذلك، حيث تتمظهر أشكال العجز في كل تفاصيل حياتنا، فنحن كائنات عاجزة إن صح التعبير، فمهما استطعنا تحقيق جزء من رغباتنا اليومية التافهة أو جزء من أحلامنا وأهدافنا العظيمة، فسوف نظل نشعر بالعجز عند مواجهة أبسط الأمور، كاتخاذ قرار صغير عن أي مطعم سنرتاده مثلًا ؟ فأمام كم من الخيارات المُتنوعة والمُتعددة ربما نعجز عن الاختيار ونفضل الجلوس في المنزل!
ولو عمقنا التفكير بروية إلى أبعد من ذلك، لوجدنا أننا عاجزون أمام أقدارنا، راكعون عند أقدام المحتوم، فأمام أحداث الحياة الطاحنة والماضية كحصَّادة القمح والمندفعة قدمًا بلا اتّئاد، وهل يمكن أن نتصادم مع الحياة الماضية نحو أهدافها دون أن تتعثر أو تتمهل لثوانٍ، فنحن مقابل ذلك كله لا نملك سوى القبول والتسليم والرضا، فما قد وقع لا يمكن تحريكه وتغييره، ولكن ما يمكننا فعله، هو اختيار النهج الأمثل في التعاطي مع مجرياته وتوابعه، وهنا تبرز القدرة والحكمة، فإما التناطح أو الخنوع أو البناء، وليس هناك أي نوع من التعقل في الأولى أو الثانية، وإنما مبلغ الحصافة في الثالثة.
الشعور بالعجز ليس معيبًا، ولا ينتقص من القوة التي نمتلكها، ولا يتوجب أن يُمنح الفرصة ليكون مدخلًا للشعور بالضعف والحزن والانكسار، العجز إذا لم تفهم معادلته يؤدي إلى الإصابة بالإحباط، والشعور باليأس، ولكن بالتدرب البسيط يمكن حل شيفرات المعادلة التي قد تبدو معقدة وقلب نتائجها لتكون إيجابية، فليس كل ما تعجز عنه هو بالضرورة في صالحك، ربما عجزت عنه حتى تبحث عن آخر أفضل لك، وإن شعرت بالعكس، فقد تصرف عنه لحكمة لا تراها الآن.
لا تتحيرْ يا عزيزي أمام كل شيء تعجز عنه، ولا تفقدْ دافعيتك، فلا تعلُ وتهبط في بورصة الحياة المُتقلبة، كنْ رواقيًا، فالقوة الحقيقية تكمن في داخلك، فكر كيف تدير فن الممكن بأدواتك المتاحة، وكيفية الانتفاع بها وتوجيهها بشكل يقلل الضرر ويرفع حصتك في مضمار القوى الملتهب، ولذا وجب التحلي بالمرونة والاستعداد لكافة الاحتمالات، وأن تضع نُصب عينيك « ماذا بعد ؟ « فلا تنثني عزيمتك، وربما تلجأ إلى التنازلات المتبادلة كواحد من الحلول، فنتائج المواجهة والمناكفة والتعنت في معظمها صدام، ناهيك إن كان أحد أطراف تلك المواجهة بشرًا، فنحن في زمن أصبح فيه الناس لا يطيقون صبرًا ببعضهم البعض، ولا يتحملون أي هفوة أو سوء تعبير أو سلوك يمكن أن يقع من قريب أو صديق، بل يشطحون بخيالهم بعيدًا، لتأويل كلماته، وتحميلها ما لا تطيق، ولذا فإن من عظيم التوازن والتعقل، أن نمتطي شعورنا بالإحباط ونحسن الإمساك بلجامه، لئلا يسرح بنا إلى مناطق لا تحمد عقباها، ونكبح قليلًا توقنا لتلك الرغبات الجامحة، فنرخي عنان العواطف، حول أعناق جيادنا، حتى تمضي في ثبات، بخطوات واثقة هادئة، باتجاه المقدمة، لا يغريها الالتفات إلى الوراء، لترى من يجري ومن يتعثر خلفها ! فجل تركيزها في الأمام وإلى الأمام!
ثم أردفت:
أما شعورك بالحزن إذا ما وقفت مكتوف اليدين أمام محنة عشير أو رفيق، وقلبك يكاد يتمزق أشلاء أمام مصيره، فهو في عَجُز الأمر وأوله قدر ينال منه كما ينال منك، ستحاول ما استطعت استعمال قوتك في دائرة من الحركات المُختلطة لعلك تغير شيئًا، وسوف يمكنك التحرك فقط في حدود هذه الدائرة المعرفية لديك، ثم ستخور قواك أمام القوة العظمى، فالقوة التي لا تتمكن من فرض إرادة ليست إلا قوة متوهمة، ولذا من الفطنة، أن تسكن إلى الخضوع مقابل تلك القوة التي تحيط بكل شيء/ معرفة ومقدرة وإرادة، مُعترفًا ومُتذللًا لها، فليس من المنطق أبدًا أن تقارعَ من هو أقوى منك، رشدًا وعلمًا وتدبيرًا.