لا تضع البيض في سلَّة واحدة! لكن أين البيض والسلَّة؟
هذه المقالة من نسج الخيال وأي تشابه في الأحداث هو من باب الصُدفة
درب لوسيل تحوَّل إلى درب الزلق ولا أحد يعرف السبب
الأرض التي تطلُ على خرابة! قيمتها بالملايين وأقساط البنك لا ترحم!
تخيّل لو أصبحنا -كلنا- من رواد الأعمال.. فمن سيدفع المال؟!

جلستُ ذاتَ صباحٍ أفكرُ، ماذا أعدُّ لوجبة الإفطارِ، ووقعتْ عيني على خبَر في الجريدة مفادُه أنَّ الاقتصادَ عندنا يُعدُّ واحدًا من أقوى الاقتصادات العالمية، ما يفتحُ البابَ على خيارات استثمارية عديدة، وباعتباري مواطنًا كادحًا يسعى للاستفادة من هذه الفرصة، ألغيتُ فكرة الإفطار! فالوقتُ ليس وقتَ الأكل، وقررتُ دخولَ نادي روَّاد الأعمال -كما يُطلق عليه- ولا أعرفُ إن كانَ له علاقةٌ بروَّاد الفضاء أم لا؟
أعتقدُ أن له علاقةً، أي إنكَ إذا كنتَ من روَّاد الأعمال فحتمًا -وقتها- ستضع الشمس والقمر في يد زوجتك، وتلعب بالأموال وتغني: والله ولِعِبتْ يا زَهر! واتبدَّلت الأحوال، وركبت أوَّل مُوجة في سكة الأموال.
لكنَّ السؤالَ الذي يتبادر إلى الذهن: من أين أبدأ؟ وكيف أسجل عضويتي في نادي الروّاد ويصبح اسمي «رائد» رغم أن اسمي «ماجد» !!
هل الحلُ بإسقاط الديون! لا أعتقد أنه حلٌ ناجعٌ، لأننا سوف نقترض من جديد «وكأنك يابوزيد ماغزيت»!
هل الحل بزيادة الرواتب؟ لا أعتقد فالرواتب عندنا من أعلى رواتب دول العالم وقد يزيد ذلك من التضخّم!
إذًا الحلُّ الأكيدُ هو الدخولُ في مشروعٍ تجاريّ يُدرّ عليك أموالًا طائلة، وتُسهم في دفع عجلة الاقتصاد، بمعنى آخر «تنفع وتستنفع»، وهذا هو الأصح والأفضل والأحسن.
لذلك قررت فتحَ مطعم باعتبار أن الشعب يحب الأكل، لكن هناك تُخَمَة في المطاعم حدَّ الامتلاء!
فكرتُ في افتتاح حلاق باعتبار أن الشعب يحب الزينة، ولكن لم أجد أزينَ من شعبٍ عُرف بأناقته وحسن مظهره، ولذلك تجد حلاقًا في كل زقاق ! حتى وإن كان المَخبَر في أحيانٍ ليس كالمظهر، لكن ما علينا !
حسمتُ أمري بافتتاح سوبر ماركت، لكن اكتشفت أنه في الشارع التجاري الواحد ليس هناك سوبر ماركت واحد فقط بل مَثنى وثُلاث ورُباع!
قررت افتتاح مشروع على الإنستجرام وأبيع ورق العنب بمئة ورقة، والروبيان بخمسين! لكن شُنتْ عَليَّ حربٌ ضروسٌ في وسائل التواصل الاجتماعي، بزعم المُتاجرة بشعار (دعم المنتج الوطني)! رغم أنني كنت حريصًا على ذكر السّعر في الخاص!
خطرتْ في بالي فكرةُ المُتاجرة في السيارات واحتكار الموديلات الجديدة في ظل أزمة التوريدات، لكن أصبح المُستعمل في سعر الجديد! وكسَدَت تجارةُ السيارات في ظل اكتساح الصّين للسوق!
قررتُ بناء مصنع بعيدًا عن المشاريع الاستهلاكية، لكن هوامير السوق لن يسمَحوا أن تَطَأَ قدمي هذا المجال، وكما يُقال (للسوق ناسه).
فكّرتُ بدخول سوق الأسهم لكي أضرب ضربتي معَ ارتفاع الأسهُم القيادية! لكن خشيتُ بدلًا من ذلك من أن أتلقَّى ضربةً مُوجعةً على رأسي وينهارُ السهمُ بعد عملية بيع كبيرة، لم أفهم سببَها حتى كتابة هذه السطور! ولكن قيل لي بعدها: إنهم المُتحكّمون بالسوق!
حسمت أمري بافتتاح محل في مجمع تجاري ولكن -لكثرة المُجمعات وتشابه المحلات- لم تعد القوة الشرائية بتلك القوة، خِفْتُ بعدها أن أكونَ من الغارمين!
قررتُ أن أستثمرَ في المشاريع الجَديدة، ولا يوجد مشروع استثماري جديد مثل درب لوسيل لكن تحوّل من درب لوسيل إلى درب الزَّلق ولا أحد يعرف السبب!.
وقِس على ذلك مشاريع مُشابهة تشكو من كساد شَتويٍّ فما بالك بقسوة الصيف؟!.
فكرت ماذا لو كان أبي من أصحاب الملايين وأبدأ حياتي وفي فمي مِلعقة من ذهب، وأقول لقد بدأت من الصِّفر! لكن اكتشفت أن أبي كانت فكرته مثلي لماذا لم يولد مليونيرًا !
حسمتُ أمري أخيرًا في شراء ناقة بمليون ريال وأبيعها بمليونين.. قنوع! ولكن خشيت أن تفطس الناقة بعد إتمام عملية الشراء!! حظي وأعرفه جيدًا، ويضيع شَقَا العمر!
فكّرت في شراء عقار للزمن، فالعقارُ حتى إن مرِض فإنه لا يموت! لكن اكتشفتُ أنهُ: أنا من سوف يموت قبل أن أتمكن من سداد قيمته، أو سأسقُط مريضًا ويتم إيداعي مستشفى القلب بسبب تكالُب الديون! فكما تعلمون أن الأرض عندنا التي تُطِلُ على خرابة! قيمتها بالملايين وأقساط البنك لا ترحم!.
خطرت في بالي فكرةٌ وهي أن تتدخل الدولة عبر شراكة مُجتمعية أو تعاونية، مثلًا: يُخصم من راتب الموظف 5000 ريال كل شهر ثم يتم إيداع 7000 ريال في الشهر التالي كاستثمار ثابت، وذلك فيما تراه الدولة مُناسبًا من استثمارات على طريقة المَقولة المأثورة: (قليل دائم خيرٌ من كثير مُنقطع)، لكن تظلُ فكرةً سخيفةً لا تتوافق مع سياسة السّوق المفتوح!.
أعلم أنني قد صدّعتُ رؤوسَكُم، لذلك جاءت لي فكرة افتتاح مقهى للقهوة المُتخصصة ! لكن اكتشفتُ أنّها خُدعة، فبماذا ضرّكم الشاي الذي يباع بريال؟!
إذًا هكذا كانَ حالي وأنا أفكر في مشروعي التجاري بعد أن قرأتُ نظريةً اقتصاديةً في الخبر ذاته تقول: (لا تضع البيض في سلة واحدة) لكن اكتشفت أنني لا أمتلك سلةً لكي أضع فيها البيض! والمصيبة الكُبرى أنني لا أمتلك حتى البيض!!
مفارقةٌ غريبةٌ.. فالبيض الذي أملكه بالكاد أسُدُ به قوتَ يومي، لذلكَ قررتُ أن أعمل لفَطُوري (عجّة) بما لديّ من بيض!
على فكرة.. كلامي هذا لا يؤخذ عليه، فهناك مشاريع كالتي ذكرتُها، أصحابُها من أنجح الناس، وتُدر عليهم أموالًا طائلة.
وقلت في نفسي هي مجرد أقدار، تخيّل لو أصبحنا -كُلّنا- من رواد الأعمال فمنْ سيدفعُ المالَ!! أم أنَّ الأمرَ ليس كذلك بل هو سوء تدبير منا؟