زلزال تركيا وسوريا يحرك مشاعر الإنسانية والتكاتف الدولي

الدوحة – قنا:
على وقع أصوات آليات الإنقاذ التي تحفر الكتل الخرسانية، وفرق البحث التي تستجيب للنداءات من تحت أنقاض المباني المدمرة جراء زلزال الاثنين الماضي.. ثمة سباق مع الزمن لإنقاذ أكبر عدد ممكن من آلاف المحاصرين تحت ركام البنايات المنهارة، في كل من جنوب تركيا وشمال سوريا.
ورغم القناعة بحجم الفاجعة غير المسبوقة، والدمار الشامل الذي ضرب مدن /كهرمان مرعش/ و/هاتاي/ و/أديمان/ و/أنطاكيا/ التركية، و/حلب/ و/إدلب/ السوريتين وغيرهما، لا يزال المنقذون والمسعفون يسمعون أصوات استغاثة من تحت الأنقاض، وكلهم أمل في الوصول إلى العالقين أو جثث الموتى، في ظل تضاؤل فرص الحياة بعد مرور ثلاثة أيام على الكارثة.
ويترقب الجميع وصول طواقم دولية متخصصة لتنضم إلى الفرق الموجودة على الأرض في جنوب تركيا، حيث تبذل الحكومة وسعها، وكذا في الشمال السوري الذين يبدون أقل حيلة وأشد صعوبة بالنظر لفارق الإمكانيات، وضعف المساعدات البشرية والمادية التي وصلتهم، بسبب تعقيدات نظام العقوبات الدولية المفروضة هناك.
وسط هذه الأجواء الملبدة بغيوم التشاؤم، والثلوج التي لا تتوقف، والبرد الشديد، ونقص المستلزمات والمعدات، ثمة مشاهد لا تسعف الكلمات وحدها بنقل كل معانيها، لكنها ترفع الهمم وتبث الفرحة وإن كانت محدودة، وتنسي بعض الآلام التي ساقتها الأقدار الربانية لبعض الناس دون آخرين.
فتسمع في الأخبار عبارات مثل “طفل يعانق والدته بعد خروجهما من تحت الأنقاض بعد 52 ساعة في هاتاي”، وإنقاذ صبي يبلغ من العمر 13 عاما من تحت الأنقاض بعد مرور 55 ساعة على الزلزال، وهو يحمل ببغاء في /كهرمان مرعش/، ومثلها إنقاذ أم وبناتها الثلاث أحياء، بعد مرور 55 ساعة على الزلزال في المنطقة ذاتها، وخبر آخر عن إنقاذ رجل (58 عاما) من تحت الأنقاض بعد مرور 56 ساعة على الزلزال في /كهرمان مرعش/، ومشهد إخراج لستة أشخاص سالمين من تحت الأنقاض بعد مرور 60 ساعة على الزلزال في /ديار بكر/، وبذل جهود عظيمة لإنقاذ امرأة مسنة تبلغ من العمر 84 عاما بعد بقائها 61 ساعة تحت الأنقاض في ولاية /ملاطيا/.
وبالتزامن مع كل هذه الأوضاع المأساوية، يلفت الأنظار مقطع لفتى سوري يوثق لحظات مأساوية بالفيديو من تحت الأنقاض في بلدة /جنديرس/ في مدينة /حلب/ وهو ينطق الشهادتين ويقول: “إذا انتشر الفيديو فأنا حي”.. ومن بين المشاهد الأخرى التي تدمي القلوب، لحظة توثق إنقاذ رضيع وعائلته من تحت أنقاض منزلهم المدمر في البلدة ذاتها.. وبجانب ذلك.. خروج عائلة كاملة من تحت الأنقاض في الشمال السوري بأدوات بسيطة بعد 40 ساعة تحت منزلها المهدم، وحتى الحيوانات كان لها نصيب، فقد تم إنقاذ كلب على قيد الحياة بعد مرور 55 ساعة على الزلزال في مدينة /هاتاي/.. لتضاف إلى ذلك مقاطع كثيرة في بقية الولايات والمدن التركية والسورية المتضررة من هذا الدمار.
لكن ثمة أحداث لم تنته نهاية سعيدة كما يرجو أهلها، فثمة عائلات تركية قتلت جميع أفرادها، بينهم 15 شخصا وأخرى سورية من 10 أشخاص دفنوا جميعهم تحت الأنقاض، ومثلها عائلات كثيرة لم ينج منهم أحد.. لتسمع أيضا عن عائلة عراقية من 7 أفراد هاجرت من /الموصل/ لتجد مصيرها المحتوم في /آيدمان/ أيضا، تماما كعائلة فلسطينية تركت غزة لتقتل جميع أفرادها بالزلزال في /أنطاكيا/.
وانتشر مقطع لأب سوري يرجو فيه من المسعفين أن يدفئوا أبناءه -الذين قضوا في الزلزال- قبل دفنهم، وذلك بعدما جمد البرد القارس جثثهم.. هي مشاهد لا تنته والقائمة تطول.. فعدد القتلى حتى هذه اللحظة في تركيا وسوريا تجاوز 17 ألفا، وأعداد المصابين تخطى 70 ألف جريح.
وعلى مستوى الجهود الرسمية، أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحشد كل الموارد والإمكانات لمواجهة آثار الزلزال وتداعياته، فيما أشار نائبه فؤاد أقطاي إلى تجاوز مسألة انقطاع الكهرباء، وتوفير البدائل المناسبة للمناطق المنكوبة، عبر 10 سفن و50 طائرة و72 مروحية تعمل على مدار الساعة في جهود البحث والإنقاذ والإغاثة.
وأكد أقطاي بدء توصيل الغاز الطبيعي إلى منطقة الكارثة بأكملها بطريقة خاضعة للرقابة، ومعها شارك الجيش بطائراته لمساعدة الخطوط الجوية التركية لنقل عشرات الآلاف من المصابين والمشردين أو الأطفال الذي نجو بمفردهم دون ذويهم ولم تعرف عائلاتهم بانتظار حسم هويتهم، مع تخصيص طائرتين رئاسيتين للحالات الدقيقة.
أما وزارة الدفاع التركية، فقد أنشأت مستشفيات ميدانية ومخيمات في مدن /كهرمان مرعش/ و/هاتاي/، ووزعت مواد الإغاثة على المواطنين.
ووسط زحمة الجثث، قررت إدارة الكوارث والطوارئ التركية، دفن الجثامين التي لا يتم التعرف على هويتها بعد 24 ساعة من انتشالها، بعد أخذ عينة من الحمض النووي وبصمات الأصابع وصورة للوجه.
ورغم حاجة المدن التركية المنكوبة للمساعدة جراء الكارثة التي تفوق قدرة تركيا وحدها، فإن هول المحنة في شمال سوريا يفوق الوصف، فقليل من المساعدات فقط نجح بالوصول إلى مناطق شمال غربي سوريا، التي تفتقر لآليات الحفر الثقيلة والكوادر البشرية ذات الخبرات، فضلا عن قلة المحروقات، وسط مخاوف من مئات المباني المتصدعة والقابلة للانهيار في أي لحظة، كما يقول الدفاع المدني، بينما يقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا: إن أرقام ضحايا الزلزال التي ذكرت أقل كثيرا جدا من الواقع المؤلم، داعيا الجهات الدولية المعنية لتسهيل الوصول إلى المناطق المنكوبة، خاصة أن الفريق الأممي أنشأ 3 مراكز لتوزيع المساعدات على منكوبي الزلزال في سوريا، مثلما شدد مسؤول برنامج سوريا في منظمة أطباء بلا حدود على ضرورة إرسال المساعدات في أسرع وقت.
ورغم هذه المصاعب والمعوقات، تكاتفت الدول والمنظمات الإغاثية بعد انكشاف هول المأساة، وبدأت فرق البحث والإنقاذ تتوافد من دول عديدة لمواجهة آثار السلبية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في البلدين، فوصلت مساعدات طبية وغذائية عاجلة من دول عربية إلى تركيا وبعضها إلى سوريا من دول عديدة بينها قطر والكويت والسعودية والإمارات والعراق والأردن ومصر ولبنان وليبيا والجزائر وتونس وغيرها.
كما ساهمت طواقم من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة وروسيا والصين وباكستان وأفغانستان، وسبقتها فرق من أذربيجان وكازخستان وأرمينيا واليونان وإيران والمكسيك، ووصل عدد الدول التي عرضت المساهمة في أعمال البحث والإنقاذ والمساعدة إلى نحو 80 دولة.
عدا ذلك، فقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن فرقها تعمل على الأرض لتقييم الاحتياجات وتقديم المساعدة، وطالبت المجتمع الدولي بمساعدة آلاف الأسر المتضررة من هذه الكارثة، فالوقت ينفد بسرعة.
وفي خضم كل هذا، لا يزال المنقذون يتشبثون ببصيص الأمل في العثور على ناجين بين ركام الأبنية المنهارة، ويمنون النفس بانتشال ممن كتبت له حياة في مشهد تراجيدي حزين، ويصلون الليل بالنهار، رغم سوء الأحوال الجوية، علهم يريحون من ينتظر سماع أي خبر عن مفقوديهم.. ولم تنل ضعف إمكانيات طواقم الإنقاذ في سوريا من عزيمة الرجال في إنجاز مهمتهم ولو بوسائل بسيطة، وباستخدام الأيادي.. تماما كمشاهد أخرى في تركيا حينما تخلت أجهزة الدفاع المدني عن وسائل البحث الحديثة، خوفا على مصائر ممن لا يزالون تحت الركام.
وبين هذه المشاهد المروعة، تحرك الضمير العالمي، وهب لتقديم الدعم بدرجة أولى للشعب التركي، بينما لا يزال السوريون في شمال بلادهم يكابدون ويصارعون لتجاوز المحنة، كما تعالت الأصوات الداعمة للتكاتف الدولي بعيدا عن المصالح السياسية ولنصرة الإنسانية، غير أن هذا التوافق لم يقنع العائلات السورية في /حلب/ و/إدلب/، التي ترى أن العالم تخلى عنها، وتركها تواجه مصيرها وحدها بعد إغلاق المعابر الأممية على الحدود التركية، ودفعها للمطالبة بمساعدات عاجلة وغير قابلة للتأخير قبل فوات الأوان.