همسات قانونية ….الغلط كأحد عيوب الإرادة
يُشترطُ في الغلطِ المعيب للإرادة أنْ يتوافر فيهِ شرطان.. أولهما أنْ يكون جوهريًا

تُبرمُ العقودُ متى تلاقتْ إرادتان أو أكثر بقصدِ إحداث أثر قانوني مُعين، شريطة أنْ تكون إرادة الأطراف حرَّة وواعية وخالية من العيوب مثل الإكراه أو التدليس أو الغلط، إذْ إنَّ اعتراء أحد العيوب لإرادة أحد طرفَي العقد تترتب عليه قابليةُ العقد للإبطال لمصلحة المتعاقد الذي شَابَ إرادتَه أحدُ العيوب، ويُعدُ عيب الغلط من أهمِ وأكثر العيوب التي قد تُصيب إرادة أحد المُتعاقدين، ويُعرَّفُ الغلط في ضوء المادة (130) من القانون المدني رقْم (22) لسنة 2004 على أنهُ اعتقادٌ خاطئ يقوم في ذهنِ المتعاقد فيُصوِّر لهُ أمرًا على غيرِ حقيقته، فيَحْمِلهُ ذلكَ على إبرام العقد، وهو تحت تأثير تصوره الخاطئ، ولولا هذا التصوّر لما أقْدمَ على التعاقد.
ويُشترطُ في الغلطِ المعيب للإرادة أنْ يتوافر فيهِ شرطان، أولهما أنْ يكون الغلط جوهريًا، ويكون الغلط جوهريًا إذا كانَ لولا هذا الغلط لمَا أقدمَ المُتعاقد على إبرام العقد، والعبرةُ في قياس مدى جوهرية الغلط هي بصفة الشيء محل الغلط وليس مادته، وتُسْتخْلص جوهرية صفة الشيء محل الغلط من ظروفِ العقد وملابساته، والعبرةُ في ذلكَ بإرادة المتعاقد الواقع في الغلط والذي يجب أنْ تصل حدًا من الجسامة تَحمِلهُ على الامتناع عن إبرام العقد لو علم بحقيقة هذه الصفة، كما لا يُعتبر غلطًا جوهريًا الخطأُ المادي في الكتابة أو الحساب فلا يُبطل بهِ العقد وإنَّما يُصحح مع بقاء العقد، وذلك طبقًا لنص المادة (133) من القانون المدني.
ويُشترط أيضًا في الغلط المعيب للإرادة أنْ يتصل علم المتعاقد الآخر به، إذْ إنَّ من مقتضيات العدالة حماية المعاملات وضمان ثباتها واستقرارها ومراعاة مبدأ حُسن نيَّة المتعاقد الآخر، ومن ثمَّ فإنَّ هذا الشرط يكون متحققًا إذا كانَ المتعاقد الآخر على علمٍ بوجود غلطٍ جوهريٍّ أو أنَّ المتعاقد معهُ قدْ وقعَ فيه، أو كانَ من السهلِ عليهِ أنْ يتبينَ ذلك، ومن ثمَّ فإن الغلط المنفرد لا يعتبر غلطًا معيبًا للإرادة ولا يصح إبطال العقد تأسيسًا عليه، إلَّا أنهُ يستثنى مما سبق التصرفات التبرعية، حيث يجوز طلب إبطالها دون اعتبار لمشاركة المتعاقد الآخر في الغلط أو علمه بحصوله، وذلك طبقًا لنص الفِقرة الثانية من المادة (130) من القانون المدني، وقد أكَّدت أيضًا المادة (132) من ذات القانون على ضرورة احترام مبدأ حُسن نيَّة المتعاقد، ومن ثمَّ إذا لم يقع في الغلط، ولم يكن عالمًا بوجوده، ولم يكن في مقدورهِ العلم بهِ فلا يُبطل العقد ولا يتحقق بذلك الغلط المعيب للإرادة، بلْ ومن حقه المطالبة بنفاذ العقد وتحقيق ما يترتب عليه من آثار.
وأخيرًا فإنَّ البطلان المترتب على الغلط الذي يشوبُ إرادة أحد المتعاقدين هو البطلان النسبي، وهو ذلك النوع من البطلان الذي لا يُطبِّقهُ القاضي من تِلقاءِ نفسهِ نظرًا لعدم تعلقهِ بالنظام العام، وإنَّما يجب أنْ يطلبهُ المُتعاقد الواقع في الغلط ويتمسك بهِ أمام المحكمة، ومن ثمَّ فإن رضاء المتعاقد وقبوله للغلط الذي وقعَ فيهِ لا يخوِّل لهُ الرجوع والمطالبة بهِ مرة أخرى.