عن شيء ما .. ماذا تعرف عن العزلة ؟
العديد من كبار المُفكرين تحدثوا عن الفوائد الفكرية والروحية للعزلة

كنا أطفالًا نخاف الظلمة والوحدة، بل بعضنا ما زال يُعاني رهاب الوحدة ويُفضل قضاء حياته مع أشخاص يُسببون له التعاسة خوفًا من أن يبقى وحيدًا ومعزولًا!
إذ طالما اعتبرنا الوحدة أو العزلة شيئًا مُرعبًا، أو شيئًا يجب تجنبه، أو عقابًا لعدم تأقلمنا مع مُحيطنا الاجتماعي، أو ربما نظرنا إليها على أنها رغبة مُلحة لدى الأشخاص غير الأسوياء. فالعزلة حسب رأي كثير من العلماء تؤدي إلى إتلاف قوانا الفكرية، وقد تضر بصحتنا الجسدية.
إلا أن علماء اليوم باتوا يتعاملون مع العزلة كمُمارسة قد تكون لها فوائد علاجية، هذا بالطبع إذا ما كانت اختيارية. أما كيف؟ فهذا يحدث عندما يعزل الإنسان نفسه عن السياق الاجتماعي لحياته، ليستطيع رؤية تأثير هذه المؤثرات الاجتماعية على شخصيته بصورة أوضح، حيث عادة ما لا نستطيع أن نرى الأمور بوضوح إلا إذا ابتعدنا قليلًا.
لكن على الرغم من أن العديد من كبار المُفكرين تحدثوا عن الفوائد الفكرية والروحية للعزلة، ورغم الإيقاع السريع والمُرهق لحياتنا نُحاول تجنبها بشتى الطرق، وبدلًا من أن نستلقي على الشاطئ للاستجمام أو نُمارس رياضة ما وَحدَنا في الطبيعة بتنا لا نستطيع الذهاب إلى الحمّام أو النوم بدون الهاتف الجوال!
في وقتنا الحاضر، وفي مُجتمعاتنا المُصابة بالاتصال المُفرط وهوس السوشيال ميديا التي جعلتنا نعيش حياتنا وربما حياة الآخرين معنا، تُصبح العزلة حالة صعبة ولا تُحتمل.
يقول الكاتب أحمد رجب شلتوت في روايته «العزلة ليست هي الوحدة»:
إن العزلة – حتى إن لم تكن خِيارًا شخصيًا – لا تعني الوحدة، إذ الوحدة شعور مؤلم، يعني افتقاد (الونس)، والحاجة إلى شريك، وأنك مقطوع عن الآخرين، أو رافض لهم أو مشغول عنهم، فالوحدة كما يقول أستاذ التاريخ الاجتماعي ديفيد فنسنت في دراسته عن تاريخ العزلة، هي عزلة فاشلة.
وهناك فرق واضح بين العزلة والوحدة، حيث تُشير العزلة إلى السعادة بكون الشخص بمفرده، بينما تُشير الوحدة إلى تألمه من كونه بمفرده.. ما هي العزلة إذن؟
العزلة هي حالة كونك وحيدًا دون أن تكون وحيدًا، هي حالة إيجابية وبنّاءة للانخراط مع الذات، وهي أمر مرغوب فيه، حيث تُقدم لنفسك رفقة رائعة بل وربما كافية، حيث تكون العزلة في مكان يمكن للعقل الإبداعي أن يعبرَ فيه عن نفسه بسعادة وشغف.
يحدث هذا عندما تكون قادرًا على الانسحاب من مطالب الآخرين والعالم من حولك، لتحرر المساحة الذهنية الخاصة بإبداعك الذاتي وسلامك الداخلي.
أما الوحدة فهي حالة سلبية تتميز بشعور بالعزلة، حيث يشعر المرء أن هناك شيئًا ما مفقودًا، فمن الممكن أن يكونَ مع الناس وما زال يشعر بالوحدة – وهي أكثر أشكال الوحدة قسوة ومرارة.
الوحدة مقبرة الأرواح المُعذبة، أما العُزلة فهي وطنٌ للأرواح المُتعبة.