كتاب الراية

قضايا وأحداث.. مناهضة الإسلاموفوبيا لا تفيد المسلمين وحدهم

أحد مصادر صناعة كراهية الإسلام هي البلدان ذات الأغلبية الإسلامية

الهُوية الأذربيجانية بدأت تسير نحو الهُوية الإسلامية في مواجهة لفرنسا وبعض الدول الغربية

نشاط ملحوظ لمركز الدراسات الإسلامية والشؤون العالمية (CIGA)

منذُ مأساةِ الحادي عشرَ من سبتمبر، وصلت العداوةُ والاتهاماتُ المُمنهجة تجاه المُسلمين والإسلام في جميع أنحاء العالم إلى حدّ الوباء، إلى الحد الذي نشر خطابًا يربط الإسلام والمُسلمين بالعنف والإرهاب في كل مكان. إن فكرة تصدير كراهية الإسلام والمُسلمين لا شكَّ شكل من أشكال العنصرية، وعندما نفسح الطريق لأي عنصرية فإننا بالتأكيد نُعطي الفرصة لظهور ردّ الفعل العنصري الآخر الذي قد يكون أشد.

وَسَيَعْلَمُ الجَمِيعُ حِينَ يَنْجَلِيَ الغُبَارُ

أَفَرَسٌ تَحْتَهُمْ أَمْ حِمَارُ

وفي محاولة للحدِّ من الإسلاموفوبيا، أعلنت الجمعيةُ العامَّة للأمم المُتحدة عام 2022، يوم 15 مارس يومًا عالميًا لمُناهضة الإسلاموفوبيا، في تأكيدٍ منها على الحاجة إلى اتّخاذ إجراءات ملموسة ضد الكراهية المُتزايدة والتمييز والعنف ضد المُسلمين. وهذا العام بمُناسبة اليوم العالمي لمُناهضة الإسلاموفوبيا، عقدت الأمم المتحدة عدةَ مؤتمرات في مناطق كثيرة من العالم، منها الولاياتُ المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا، وحَظيت تركيا الأسبوع الماضي بأحدِ تلك المؤتمرات والذي عُقد في جامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول.

وفي الواقعِ هناك نشاطٌ ملحوظٌ لمركز الدراسات الإسلامية والشؤون العالمية (CIGA) التابع لجامعة صباح الدين زعيم في عقْد مؤتمرات بصورة مُنتظمة حول الإسلاموفوبيا منذ عام 2018. وهذا العام، تزامنَ موعد عقد النسخة الرابعة من تلك المُؤتمرات مع أسبوع مُكافحة الإسلاموفوبيا. وكان الموضوع الرئيسيّ للمُؤتمر هو «دراسة الأبعاد الثقافيَّة والجيوسياسيَّة للإسلاموفوبيا في البلدان ذات الأغلبية المُسلمة»، في إشارة واضحة وتأكيد على أنَّ أحد مصادر صناعة كراهية الإسلام هي البلدان ذات الأغلبية الإسلامية.

وفي الواقع، حتى في أوروبا، فإن للنخب الحاكمة في الدول الإسلامية نفسها ووسائل إعلامها، دورًا كبيرًا في تشكيل التصورات السيئة عن الإسلام؛ إذ يدعمون نشر فكرة «الإرهاب الإسلامي» كذريعة لتبرير نظامهم الاستبدادي.

وفي السياق نفسه، نظَّم مركز التعددية الثقافي الدولي (AIR Center)، ومركز تحليل العلاقات الدولية في باكو-أذربيجان، ومُنتدى مجموعة العشرين للحوار بين الأديان -ضمن فعاليات اليوم العالمي لمُناهضة الإسلاموفوبيا في 15 مارس- مؤتمرًا دوليًا تحت عنوان: «الإسلاموفوبيا صورة خاصة من صور العنصرية والتمييز: تحديات عالمية وعابرة للحدود». وقد شارك فيه علماء ورجال دين وخبراء من 34 بلدًا في العالم. ولمدَّة 3 أيام ناقش المُشاركون الأبعاد المختلفة للإسلاموفوبيا ومظاهرها في بعض الدول الأوروبيَّة وفي وسائل الإعلام العالمية والمناهج المُختلفة في مُكافحتها. لكن النقطة المُشتركة بينهم جميعًا كانت التأكيد على أن الإسلاموفوبيا هي شكل مُستهجَن من أشكال العنصرية.

ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه هي المرة الأولى التي يعقد فيها مؤتمر في أذربيجان بشأن الإسلاموفوبيا. وبالطبع، كانت مُشاركة العديد من الأشخاص ذوي النشاط المُتميز في مجالات الاجتماع الذي نظمه مركز AIR التابع لوزارة الخارجية مُشاركة مهمة للغاية. لكن أحد الأشياء اللطيفة التي لفتت انتباهي هو أن طلاب الجامعات الشباب يتحدثون العربية بشكل رائع. في البداية، سألتهم، مُعتقدًا أنهم من أصل عربي، لكني عرفت أنهم جميعًا قد تعلموا العربية في الجامعة عن طريق دراستهم اللغة العربية أو العلوم الإسلامية.

وقد حدث تقارب ملموس بين تركيا وأذربيجان بعد تحرير الأراضي الأذربيجانية التي ظلت مُحتلة لمدة 30 عامًا. وعلى الرغم من أن البلدين كانا قريبين جدًا منذ القِدم إلى درجة كونهما «دولتَين أمة واحدة»، لكن ما يحدث الآن أكثر من هذا التقارب. هذا بالإضافة إلى أن الهُوية الأذربيجانية بدأت تسير نحو الهُوية الإسلامية في مواجهة لفرنسا وبعض الدول الغربية التي تقف علنًا مع أرمينيا من ناحية، وفي صورة أخرى لصراع الهُوية نفسه هو أن أذربيجان قد يتم عزلها وحدها من قِبل إيران الشيعية، التي تضم في مناطقها الشمالية ما يزيد على 15 مليون أذربيجاني. إلى درجة أن إيران ذاتها لن تظل مُحايدة في المسألة الأرمينية الأذربيجانية، وأنها من منطلق المصلحة لا الهُوية تقف إلى جانب أرمينيا ضد أذربيجان.

ولذلك يمكن اعتبار أن استضافة أذربيجان مؤتمرَ الإسلاموفوبيا مرحلة مُهمة من حيث التكتلات الجديدة واكتشافات الهُوية.

وفي مشهد آخر من مشاهد الإسلاموفوبيا، تابع العالم نموذجًا حاضرًا ومُثيرًا للاهتمام لصورة من صور العنصرية ضد الإسلام في عمليات اللجوء التي نتجت عن الحرب الأوكرانية. وقد كشفت هذه الأحداث عن التمييز الصارخ الذي يُمارسه المُجتمع الدولي بين اللاجئين من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية. إذ فتحت أوروبا أبوابها علنًا أمام اللاجئين الأوكرانيين، قائلة إن هؤلاء الأوكرانيين ليسوا لاجئين لأنَّ لديهم «عيونًا زرقاء وشعرًا أشقر»، في حين تعمدت إقصاء اللاجئين السوريين أو الأفارقة في انتهاك حقوقهم لسنوات. وكأن أوروبا لا تدرك أن اللجوء في حد ذاته كارثة اجتماعية يمكن أن تحدث للناس في أي وقت، وأن التمييز بين الناس في مواجهة هذه الكارثة يكشف بوضوح تراجع مستوى القيم الإنسانية الأساسية من مواطن التطبيق العملي.

لا شك أنَّ الإسلاموفوبيا عنصرية، لكنها ليست العنصرية التي تستهدف المُسلمين فقط. فكل صور العنصرية لا تُمثل تهديدًا للأمة المُستهدفة فقط، بل إنها تهديد للبشرية جمعاء. كما أنَّ موقف المُسلمين ضد الإسلاموفوبيا لا يستهدف استجداء الرحمة من الآخرين، لكنه يُمثل رد فعل وخُطة دفاعية في مواجهة سائر الأمم.

إنها حقيقة لا يمكن إنكارها، إن المسلمين رغم كونهم أهدافًا وضحايا للعنصرية المُعادية للإسلام، فإنهم حينما يُطالبون بالعدالة فإنهم لا يريدونها لأنفسِهم فقط.

ومما يؤسف له أنَّ اليهود، الذين أثاروا العالم بأَسرِهِ لمواجهة معاداة السامية، وبعد أن اتخذوا عدة إجراءات ضد العنصرية تجاههم، قد انتكسوا ونقضوا غزلهم من بعد قوّة أنكاثًا وصاروا عنصريين تجاه الآخرين. واليوم، فإن القضية الفلسطينية خير شاهد على أن إسرائيل أهم مرجعية للإسلاموفوبيا في العالم… فقد رفعوا شعارات خادعة من أجل المصالح فقط.

ما كان في ماضي الزَّمانِ مُحَرَّمٌ

لِلنَّاسِ في هذا الزَّمَانِ مُبَاحُ

ومع ذلك، فإنَّ الإسلاموفوبيا هي مجرد صورة أخرى من صور مُعاداة السامية؛ لأنَّ مُعاداة الإسلام ومُعاداة السامية في جوهرهما عنصرية، وعلى المُسلم أن يرفضَ كل صور العنصرية ليس فقط العنصرية ضده. وبعبارة أكثر وضوحًا، إن الإسلاموفوبيا أخت شقيقة لمُعاداة السامية، ولهما صلة قرابة بكل صور العنصرية الأخرى. وإن المُسلم حينما يرفض كل أنواع العنصريات فإنه يثبت حقيقة أنَّ المُجتمع المُسلم هو الوحيد عبر التاريخ الذي يمكن أن يحكمَ البشرية كلها بالعدل.

 

@yaktay

أكاديمي وسياسي وكاتب تركي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X