المحليات
الصوم يربي المسلم على التقوى.. د. محمد المريخي لـ الراية :

التقصير في العمل بحجة الصيام غير مبرر شرعًا

تربيت على الصيام مبكرًا تحت متابعة ومراقبة وتحفيز وتشجيع الوالدين

كنَّا نحرص على التجمع بعد صلاة التراويح لممارسة الرياضة والهوايات الرمضانية

كلما كبر المرء واتسع فكره وزاد يقينه تطلع لنيل درجات الآخرة باغتنام الشهر وأوقاته

الدوحة- محروس رسلان:

أكَّدَ فضيلةُ الشَّيخ د. محمد حسن المريخي، الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة، أنَّ التقصيرَ في العمل بحُجة الصيام أمر غير مُبرّر شرعًا، مُشيرًا إلى أنَّ الموظف يُكافأ بمرتب آخر الشهر، لذا يجب عليه الالتزامُ وتحليل دراهمه.

وقالَ فضيلتُه في حوارٍ لـ الراية : إذا أراد الموظف الاستراحة فعليه بالإجازة، كما ينص القانون، ولا داعي لتحميل نفسه الإثم.

وأكَّدَ أن تصور بعض الأفراد -بأن تفاعله مع الناس خلال الدوام الوظيفي في رمضان يفقده أعصابه وقد يوقعه الغضبُ في تجاوزات سلوكية تفقده ثواب الصيام- تصورٌ خطأ، فالصيام لا يدفع إلى الغضب، وإنما يُربِّي المُسلمَ على التقوى ومخافة الله، تصديقًا لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ…».

ونوَّه بأنَّه لا دخلَ للصيام في غضب الموظف أبدًا، وإنَّما هذا الغضب من نفسه وخُلقه، ومن ثم فعليه أن يراجع أخلاقه، هذا وفيما يلي تفاصيل الحوار:

  • حدثنا عن بداية عهدك بالصيام في الصغر ومن شجعك عليه وفي أي سن صمت وما أبرز الذكريات الخاصة بشهر رمضان لديك؟

– بدايةً، أحمدُ الله كثيرًا بأني تربيت في بيت يقيم الدين ويُعظم شعائره. فقد كان الوالدان- رحمهما الله- يأمراني وإخواني بالصلاة والصيام ويربياني على الحلال واجتناب الحرام والعيب والممنوع شرعًا وعرفًا.

تربيت على الصيام مُبكرًا ومع المُتابعة والمراقبة والتحفيز والتشجيع من قِبل الوالدين، ولا شك أن البداية بداية طفل يتعلم أو شاب يقبل على أمر فيه صعوبة، ولكن بفضل الله اجتزت الصعب، ومشيت في دروب الطاعة ثابتًا حتى صار الصيام والصلاة وغيرهما من الأركان والطاعة بصفة عامة، مألوفة ومن يومياتي التي لا غنى لي عنها.

ولا أذكر بالضبط بداياتي مع الصيام، غير أني أتذكر حرص أبويّ- رحمهما الله- على تربيتنا على الطاعة.

وأقول: بالرغم من الأُمية وعدم التعلم عند الوالدين إلا أنّي أذكر وما زلت أشيد بجهودهما في الحرص الكبير على مُتابعتي في الطاعة، وهو جهد مُبارك، ومُتابعة أثمرت لهما أبناء صالحين إن شاء الله، محفوظين من الانحراف والتسيّب خاصة في القيام بالطاعة، فاليوم نرى أبناء وأولادًا وشبابًا لا يلتفتون للطاعة إلا ما ندر، بل تجد من لا يصلي مثلًا نهائيًا، ولا حتى يصوم، ولقد أرخى حبل الطاعة وأخّرها وفرّغ قائمة اهتماماته اليومية منها.

ذكريات مقتبل عهد الشباب

  • كيف تنظر إلى ذكرياتك مع الصيام في مقتبل عهد الشباب؟ وما أبرز الممارسات والهوايات لجيلكم في ذلك الوقت؟

– عن ذكريات رمضان، كان الشهر الفضيل جميلًا وما زال، لكن أيام الشباب كنا نحرص على التجمع بعد صلاة التراويح ونستمتع ببعض ما يطرح في السوق من أكل وشرب وشيء من الرياضة والألعاب الرمضانية والهوايات.

  • ما أوجه الاتفاق والاختلاف بين شباب اليوم وشباب جيلكم فيما يتعلق بالصيام وأبرز الهوايات والأعمال في الشهر الفضيل؟

الشهر الفضيل اليوم يختلف عن حاله في الأمس، فاهتمامات الشباب تختلف عن اهتمامات الكبار، فإذا كانت اهتمامات الشباب إما الأكل والشرب وممارسة هوايات، فالكبار يُفكرون في كيفية استغلال الشهر بالطاعات وتلاوة القرآن وشيء من دروس العلم والاستفادة العلمية، وكلما كبر المرء واتسع فكره وزاد يقينه وإيمانه تطلع لنيل درجات الآخرة باغتنام الشهر وأوقاته.

الهروب من العمل

  • ما حكم الهروب من العمل أو التقصير فيه بحجة الصيام من وجهة نظرك؟

بالنسبة لترك العمل بحجة الصيام، هذا لا مُسوِّغَ له، لأن الموظف يُكافأ بمرتب آخر الشهر، فيجب عليه الالتزام وتحليل دراهمه.

وإذا أراد الاستراحة فعليه بالإجازة كما ينص القانون، ولا داعي لتحميل نفسه الإثم. فالله يقول (لا يُكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها) إذا كان الصيام يرهقه ويتعبه ويُسبب له شيئًا من الإرهاق فليسترِح بإجازة.

  • بعض الأفراد يظن أن تفاعله مع الناس خلال الدوام الوظيفي في رمضان يفقده أعصابه وقد يوقعه الغضب في تجاوزات سلوكية تفقده ثواب الصيام.. بمَ تنصحهم؟

أنصح من يقول بأن ممارسة الوظيفة مع الصيام ستدفعه للغضب، بأن الصيام يُربي على التقوى ومخافة الله. قال الله- تعالى-: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ…»، فلا دخل للصيام في غضب الموظف أبدًا، وإنما هذا الغضب من نفسه وخُلقه فليراجع أخلاقه.

  • هل يمكن أن يؤثر إخلال الفرد بأمانته الوظيفية على قبول صيامه؟ وهل يمكن أن يؤدي إلى نقصان أجره؟

يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (مَن لَم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ)، ما شرع الله تعالى الفرائض والسنن والشرع كله إلا لإصلاح الناس وتهذيبهم وتوجيههم لما يُصلح دنياهم وأخراهم. وما ينبغي للمُسلم أن ينسب السوء والخراب للشرع المُطهر.

قال الله- تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ). فالخلل في الإنسان نفسه، ولا علاقة البتة للشرع في اعوجاجه وانحرافه، بل الشرع يهدي للتي هي أحسن وأقوم، يقول الله- تعالى-: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).

كما أنه على من التزم بدوام عن بُعد أن يُراقبَ الله تعالى، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وسوف يسأله ربه عن الدرهم الذي أخذه بغير وجه حق. وفي مُراقبة الله فلاح وسعادة للعبد لا يشعر بها إلا من مارس هذه المُراقبة الربانية. ولقد وعد الله الذين يخشونه في السرِّ والعَلن بكل خير فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).

إخلال المرء بواجباته الوظيفية لا شك يؤثر على تدينه وحياته بصفة عامة ومؤاخذة الله له يوم الدين.

أما عن صحة الصيام فصيامه صحيح إذا التزم حدود الصيام، ولكن القبول والجزاء هذا عند الله، ولا شك أنها أعمال تحتاج إلى صدق وإخلاص.

  • ماذا عن أصحاب الأعمال الشاقة كالخبَّازين.. هل يجوز لهم الإفطار والقضاء شرعًا؟

– إذا كان الصيام يشقُ على الإنسان، وهو يؤدي أعمالًا لا بد له منها، ولا يمكنه التوقف عنها والناس في حاجة إليها، فله أن يفطر ويقضي فيما بعد.

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X