كتاب الراية

خواطر مسافرة …. دراما رمضان.. عبث وترف!

بعض الأعمال التلفزيونية يكرس ثقافة لا صلة لها بهذه الأمة

وكأن شهر رمضان الفضيل يأتي كل عام في عصرنا الحاضر لكي تزدهر صناعة الدراما العربية غير الهادفة، وبرامج الترفيه التافهة وإعلانات ترويج لسلع وخدمات مجهولة الجودة ومنافعها في حكم الغيب، وفي كل رمضان من كل عام تزف معظم الفضائيات إلى مشاهديها بشرى أحدث مسلسلاتها الدرامية التي في معظمها عبث وترف ومشاهد الإغراء لممثلات يحرصن على استعراض أحدث صيحات الملابس المثيرة ومواد التجميل الساحرة، وممثلين مفتولي العضلات يعرضون علينا الكثير مما لا يناسب المعنى الحقيقي للدراما العربية ولا صلة لها بانتمائنا لهذه الأمة، ونجحت الشركات المنتجة على إلصاقها بشهر رمضان دون تدخل منا، في حين أن شهر رمضان هو شهر الصوم والصبر والعبادة والصدقات والتقشف وفعل الخيرات وصلة القربي وإحياء المساجد بالعبادة والذكر والتدارس في شتى العلوم الإنسانية والتاريخية، ومعظم تلك الأعمال التلفزيونية تتنافس فيما بينها على تكريس ثقافة لا صلة لها بهذه الأمة ولا بالشهر الفضيل وأجوائه ومآثره الدينية والإنسانية الروحانية، وللأسف الشديد فإن الكثير من هذه الأعمال إما تُكرس للعنف والمفاهيم المغلوطة عن مجتمعاتنا العربية وأصالتها وتاريخها وتراثها وثقافتها، وإما تعمَدُ لجلب المشاهد بسياق تكون فيه المرأة جسدًا وحكاية حب أسود أو بنفسجي إلخ وهو ما يتعارض تمامًا مع تقاليد هذه الأمة ومع رسالة الفن في خدمة وتنوير المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج وتميزها عن المجتمعات الأخرى.

ومنذ نحو عقدين من الزمن وأكثر بتنا نعرف ما تطلق عليها الفضائيات بالدراما الرمضانية التي يتم إنتاجها خصيصًا لهذا الشهر والتي منها ما تأخذ بُعدًا سياسيًا يتفق مع توجهات وسياسات الدول وعلاقتها ببعضها، أو علاقتها بشعوبها بهدف الحصول على رأي عام مؤيد، وقوى ناعمة تفي بكل أغراض الدعاية والتأثير على أكبر عدد من جمهور الدراما والبرامج الترفيهية الرمضانية، ومنها ما يرتبط بصبغة تجارية تخضع للعرض والطلب دون اكتراث للمعايير القيمية والتقاليد والخصوصية العربية، ومنها ما يتعلق بنجوم هذه الأعمال الذين تزدحم بهم الساحة الفنية العربية ما يؤثر سلبًا على جودة العمل وأبعاده الاجتماعية وتوقيت إنتاجه وعرضه.

ويبدو أن غالبية الأعمال الدرامية العربية تحولت إلى (فنتازيا) تفتقد الإبداع الذي يَرسخ في ذاكرة المشاهد، وحين يصبح العمل الدرامي في خدمة منتجيه وأبطاله وتقديمهم على جودته كمًا وكيفًا، يصبح عملًا هزيلًا ومع ذلك يتم الإنفاق على إنتاجه وأجور أبطاله ببذخ وأرقام فلكية، وكأني بهذا المسلسل أو ذلك البرنامج يتم إنتاجه لمصلحة أبطاله وليس من أجل إمتاع المشاهد المتابع على مختلف المراحل العمرية، كما أن شهر رمضان بمكانته الدينية وفضائله وقيمه الإنسانية وروحانيته ليس بحاجة إلى التعريض به بهذا الكم من الدراما والمنظومة البرامجية المملوءة بكل غَث لكي يكون شرطًا لنجاحها بقدر ما يكون عاملًا لفشلها.

إن الفن رسالة إنسانية نبيلة وحضارية، وبالطبع ليست كل الدراما الرمضانية وغير الرمضانية هابطة أو فاشلة من حيث جودة النص وأداء المُمثلين فهناك أعمال درامية رائعة وبرامج هادفة، غير أنها تقل عامًا بعد عام وأخشى أن تختفي بشكل تدريجي متسارع كما حدث للدراما العربية في العقود الأخيرة من القرن الماضي وخاصة الدراما المصرية واللبنانية والسورية والخليجية التي قدمت للمشاهد العربي أعمالًا لا تزال محفورة في الذاكرة العربية وارتبطت بوجدان المشاهد العربي قبل أن يصبح الفضاء مفتوحًا على مصراعيه أمام كل ما نشاهده من أعمال تقوم على تزييف الواقع ومحاكاة لثقافات أخرى ليس لها علاقة بهذه الأمة، ولا بتاريخها وموروثها الحضاري والإنساني ولا بدورها في تكريس قيم الخير والتنوير والعلم في تراثها وحضارتها التي أنارت الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها، لأن ما نشاهده اليوم أغلبه لا علاقة له بهذه الأمة ولا يشكل الفائدة المرجوة للأجيال حاضرًا ومستقبلًا.

صحافي وكاتب يمني

[email protected]

@fmukaram

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X