رنا فضل السباعي
حقيقةً، لا أعلمُ إن كان الأمرُ مرتبطًا بطبيعتِنا البشرية وحب التملك على آخره هو ما يفسر رغبتنا بأن نمتلك كل شيء في آن، وذلك ما يدفعنا إلى توجيه تركيزنا نحو ما ينقصنا امتلاكه، فنسعى إليه بوقتنا وجهدنا في مقابل التقليل من أهمية ما نمتلكه بالفعل حتى نستفيد منه ونبني عليه.
وفي حقيقة الأمرِ، إنَّ التفكر بعمق والنظر بكل تجرد وبموضوعية إلى كل ما نتمتع به في أنفسنا وفي حياتنا ككل، سوف يبين لنا أننا نمتلك بالفعل رصيدًا ذاتيًا نختزنه من الإمكانات، والنِعم والامتيازات تصلح لأن تكون نقاطَ قوة، فيما لو أردنا لها ذلك، فنكيّفها لصالحنا ونتسلح بها أمام ما قد نعيشُه من تحديات في أفكارنا، هواجسنا، مخاوفنا، وما نخوضه من تجاربَ. مكامن القوة هذه- مهما بدت متواضعة ومحدودة أمام عظمة أهدافنا- هي على الأقل مقدرات خاصة بكل منا يمكن أن نعول عليها في خطوات الانطلاق وأن نعمل على اكتساب ما يصقلها بالمهارات والتعلم حتى تزداد قوة ونزداد معها ثقة بأننا نمتلك ما يكفينا- على الأقل- لوضع حجر الأساس في بناء حياتنا.
لكل منا نقاط قوة خاصة به، قد تتجلَّى في طريقة تفكيره وصوابيته، في كيفية مقاربته لمواقف الحياة بدقة وحكمة، في تفاعله الشعوري مع الآخرين، في صحة العلاقة بينه وبين نفسه دون مبالغة أو إنكار، وغيرها مما يندرج في إطار التفكير أو التصرف التلقائي الذي نأتيه في مجال ما والذي أقل ما يقال فيه إنه أفضل الممكن وأكثره تميزًا وفرادة حتى يكاد يعتبر موهبة خاصة ومتميزة جدًا لا تناسب إلا قياس الشخص الذي يملكها دون غيره، فما يعتبر نقاط قوة وموهبة عند البعض لها أهميتها ودورها في حياته قد لا يكون كذلك عند الآخر ولا تحدث لديه- إن وجدت – أي أثر.
نعم، إنَّ نقاط القوة التي تملكها أنت تعتبر في إطار وجودها وخصوصيتها لديك موهبتك الخاصة بك، ولأن الموهبة تحتاج إلى أن تكتشفها أولًا حتى تستطيع أن تعززها وتصقلها فتبني عليها ما يحقق لك كل الفائدة والنفع، فإنَّ مكامن قوتك تتطلب منك التعرف عليها كمقدرات متميزة لا اعتبارها مجرد قوى من الأساسيات، وأن تدرك ما قد تحويه من قيمة بذاتها وما قد تؤديه من دور في مسيرة تحقيق الأمنيات والرغبات، وبذلك ستوفر على نفسك الكثير من الجهد والوقت إذ بدلًا من البحث عما تفتقر إليه منذ البداية (نقاط الضعف)، ستكون رحلتك قد بدأت بما تمتلكه في الأصل من مقدرات (نقاط القوة).
بداخل كل منا أرض خصبة من نقاط القوة لا تتطلب منا إلا أن نكتشفها ، فنزرع فيها بذور الثقة بأهميتها وأثرها في بناء حياتنا وفي تحقيق رغباتنا، وعندها لن نحصد ثمارها إلا خطى ثابتة للإقدام بالرصيد الذي نملكه بدلًا من أن نجد أنفسنا في موقع الجمود والتردد لتركيزنا على ما لا نملكُه.
مدربة حياة – Life Coach