كتاب الراية

في محراب الكلمة.. علمني رمضان دقّة المواعيد

ما أجمل رمضان وما أجمل رسائله المحفّزة ونسماته المثمرة ونفحاته الربانية

تخيّل معي هذا المشهد: في أغلب عواصم العالم الإسلامي التي تعجّ بملايين السكان ينتظر النّاس لحظة واحدة حسب توقيت كل بلد للقيام بعمل واحد بكل دقّة بتنظيم واستجابة ذاتيّة دون تدخّل من أي جهة مُنظمة.
قبل الغروب بدقائق تهدأ الشوارع من الحركة وترتفع الأيادي إلى السماء وخلال وقت محدّد وثانية مُزمّنة يرفع المؤذن موعد صلاة المغرب والإيذان بدخول الإفطار فتتسابق الجموع للتمتّع بالطعام والشراب والفرح بهذه اللحظة الجميلة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم فقال «للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه».
يتكّرر المشهد وقت السحور وفي زمن محدّد بالدقيقة والثانية يتوقف الملايين عن الأكل والشرب طاعة ورغبة في الأجر بكل سرور واستبشار، دون رقيب من أحد سوى رقيب الذات المُذعن لأوامر السماء.
تغيب شمس آخر يوم من شعبان فتتحوّل حياة المسلم إلى حال مختلفة، أساسها الدقة والانتظام في مواعيد الأكل والشرب والنوم والعمل، حياة مختلفة شعارها التغيير والتحسين والتجويد ولسان حال الصائم ليت كل الأيام رمضان!.
ما أجمل رمضان وما أجمل رسائله المحفّزة، ونسماته المثمرة، ونفحاته الربانية، كيف لا وهو شهر تهفو له النفوس وترتاح له القلوب وتطيب به الأبدان وينعم به الصائمون بالسعادة والهناء.
رمضان يعلمنا قيمة الوقت وأهميته ويحفّزنا للحفاظ على أوقاتنا التي تمثل جزءًا من أعمارنا، ويحثّنا على الاستفادة منها قبل فوات أوانها فهي «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ» لكنّها عزيزة ونفيسة لا تلبث أن ترحل سريعًا.
ديننا العظيم يعلمنا عظمة الأوقات، فالصلاة في أزمان موقوتة، والحج في توقيت محدد، والحياة موزونة بالأرقام بكل دقة وإتقان، فالشهور معدودة، وأيام الأسبوع معدودة، والجمعة لها موعد خاص، ورمضان له توقيت محدّد، وهذا درس كاف بأن الحياة ليست عبثًا، والمواعيد عهود وأمانات.
إن أحد أهم مقاييس نجاحات الأمم مدى قدرة شعوبها على استثمار أوقاتها، والالتزام بمواعيدها، خصوصًا عندما ترتبط تلك المواعيد بمصالح وحياة أشخاص آخرين، فلو تخلف الطبيب عن موعد مريضه، والمعلم عن موعد طلابه، وقائد الطائرة عن موعد رحلته، وإمام المسجد عن موعد الصلاة، والموظف عن وظيفته، لسادت الفوضى وضاعت الكثير من المصالح.
قال أحدهم: لو أنّنا التزمنا بمواعيدنا طوال العام بالدقّة التي نلتزم بها خلال شهر رمضان عند الإفطار والإمساك لأصبحنا مضرب المثل في دقّة المواعيد بدلًا عن الإنجليز الذين يضرب بهم المثل حتى أصبحت المواعيد الدقيقة مرتبطة بعبارة «موعد إنجليزي».
جدير بنا أن نعود إلى إرثنا العربي والإسلامي الذي يحفل بكل معاني الصدق والوفاء والالتزام بالوعود والعهود وتقدير قيمة الوقت، فهذه قيم وصفات نهج عليها الأنبياء والرسل والصالحون والعلماء والمخلصون عبر التاريخ، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كيف تعرف الكذابين فأجاب: أعرفهم بمواعيدهم.

استشاري تدريب وتنمية بشرية وتطوير مؤسسي

[email protected]

 

 

 

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X