همسات قانونية.. حوالة الحق
عقدٌ ينشأ بين الدائن وشخص أجنبي عن رابطة الالتزام القائمة بين الدائن والمدين

لا ريبَ أنَّ الإنسانَ كائنٌ اجتماعي بطبعهِ لا يستطيعُ العيشَ بمعزلٍ عن غيره، بل يحتاجُ دائمًا إلى من يُعاونهُ في مواجهةِ مُتطلبات الحياة، وكلّما تطورت الحياة صاحبها تطور في علاقاتِ الإنسان، ولذلكَ تتشابك خيوط المُعاملات المدنية والتجارية بين أفراد المُجتمع لتُكوِّنَ شبكةً مُتداخلةً ومُترابطة الأوصال، ودائمًا ما ينشأ عن تلك المُعاملات أكثر من دائنٍ ومدين، ومن هُنا ظهرت فكرة حوالة الحق، والتي تقضي باستقطاع حقوق الدائنين والمدينين المُتشابكة ديونهم ومُعاملاتهم بدلًا من تداولها.
وتُعرف حوالة الحق بأنها اتفاقٌ أو عقدٌ يَنشأ بينَ الدائن وشخص أجنبي عن رابطة الالتزام القائمة بين الدائن والمدين، بمقتضاه يُحوِّل الدائن -لهذا الشخص الأجنبي- حقهُ الذي في ذمةِ المدين، وبذلك يحلُّ الشخص الأجنبي محل الدائن في جميعِ مُقومات هذا الحق وخصائصه، فيُسمَّى الدائن باسم المُحيل، والدائن الجديد مُحال له، ويُطلق على المدين المُحال إليه، إذ إنَّ الحوالة تدورُ بين ثلاثة أشخاص هم الدائن والمدين والمُحال له، حيثُ تُبرم الحوالة بين الدائن والمحال له ليحلَّ الأخير محلَّ الأول في مُطالبة المدين بدين الدائن، وفي هذا الصدد يتمتعُ بكل ما كان يتمتع به الدائن من حقوقٍ وصلاحياتٍ في مواجهة المدين.
وتنعقدُ الحوالة طبقًا لما قضت به المادة (324) من القانون المدني رقم (22) لسنة 2004 بين الدائن والمحال له بمجرد تبادل القبول والإيجاب بينهما ولا يلزم لانعقاد الحوالة موافقة المدين عليها، فبمجرد التراضي تنعقد الحوالة بين طرفيها وتُصبح مُنتجةً لآثارها، لكن هل مُجرّد انعقاد الحوالة يجعلها نافذةً في مواجهة المدين؟
أجابت المادة (326) من القانون المدني على هذا التساؤل، فاشترطت توافر أحد شرطين لنفاذ الحوالة في مواجهة المدين؛ أولهما: أن يقبلَ المدين الحوالة، ومن ثمَّ فإنَّ قبوله للحوالة يجعلها نافذةً في مواجهته، لكن يُشترط أن يكونَ القبول مُثبت التاريخ، وثانيهما: هو أن يتم إعلان المدين بالحوالة، ويكون إعلان المدين بالحوالة بأي ورقةٍ رسميةٍ تُعلن بواسطة المُحضرين، ويَلزمُ أن يشتملَ الإعلان على ذكرِ وقوع الحوالة وشروطها الأساسية.
أمَّا عن الآثار القانونية المُترتبة على الحوالة فتتمثل في انتقال الحق إلى المُحال لهُ بجميعِ مُقوماته وخصائصه وما يلتصقُ به من توابع، فيكون للمحال له أن يحلَّ محلَّ الدائن الأول في مُباشرة دعاوى الحق المُحال إليه، وكذلك إجراءات استيفائه دون الحاجة إلى إعادة ما سبقَ منها، إذْ يكفي أنْ يحلَّ محلهُ فيها ويُتابع ما بدأه المُحيل منها، وذلكَ لأنَّ حوالة الحق لا تُنشئ التزامًا جديدًا وإنَّما تنقل التزامًا قائمًا بالفعل بكل ما التصق به من توابع، وهو المُستفادُ من نص المادة (328) من القانون المدني.
وفي الختامِ نُبيّنُ أنه لا يؤثر على انعقاد حوالة الحق بين طرفيها أن يكونَ الدَّيْن مؤجَّلًا أو مُعلَّقًا على شرطٍ أو مُتنازعًا عليه، إذ إنَّ الحوالة تُنفذُ سواء كان الحق المُحال مدنيًا أو تجاريًا أو مُنجزًا أو مُعلَّقًا على شرطٍ أو مُقترنًا بأجل.