ما بين السطور.. كيف نصنع قدوة صالحة ؟
هنا تصنع تلك القدوات المطلوبة لتوارث القيم الصالحة منذ قرون

في عصرنا هذا، حيث حلَّت الأجهزةُ الإلكترونيةُ محل الأصدقاء والكتب والزيارات، وحيث العالم كل بكل مُحيطاته وجباله وسكانه، ولغاته، ومُعتقداته، أصبح في جهاز صغير بحجم الكف، لم يعد للراشدين وأولياء الأمور القدرة على السيطرة، ومُراقبة كل ما يراه ويُشاهده الأبناء، الصغار والمُراهقون، لذلك نرى الكثير من هؤلاء الأبناء، من علق في غرفته صور المشاهير من اللاعبين الأجانب، وأبطال سباقات السيارات في العالم، وأبطال الأفلام والمُسلسلات التي تتميز بالحركة والعنف والخيال العلمي الذي لا حدود له.
لا حد لما يبثه هذا الجهاز الصغير الذي نحفظه في الجيوب، وفي الحقائب الصغيرة، لذلك لا يمكن للكثير منا القدرة على الدخول إلى عقول هؤلاء الأبناء، والتجول بين أفكارهم وأحلامهم ورغباتهم المبهمة، الأمر ليس قاصرًا على الذكور دون الإناث، فالجميع في مركز الإعصار المُدمر للكثير من المبادئ والقيم التي يجب أن ينشأ عليها أبناء هذا الجيل الجديد وما بعده، كما نشأت عليها الأجيال السابقة التي لم تعد لها الصلاحية في التدخل في شؤون الأبناء الخاصة، خاصة أن كلًا منهم قد انزوى في عالمه الخاص، الذي لا يمكن اختراقه إلا بالطرق عليها من خلال البعض من أسس التعامل بين أطراف الأسرة واحدًا تلو الآخر.
هؤلاء الأبناء، أبناء التكنولوجيا والعالم المفتوح على اتساعه أمامهم دون ستار، مُنغمسون في عوالمهم الداخلية، دون الاهتمام بما يحدث حولهم من مُعطيات وأوامر توجيهية وتربوية وتعليمية، إلا بقدر ما يُتيح لهم التعامل مع تلك العوامل الخاصة دون تغيير من قِبل الآخرين، الذين يُحاولون فرض السيطرة على سلوكياتهم (غير المرغوبة) والتي أصبحت تُشكل نمطًا مُتماثلًا لمعظم أبناء هذا الجيل، جيل التكنولوجيا، والقرية العالمية الواحدة، والذين يعتبرون تدخل الآباء والكبار في أفكارهم المُشتركة، سوء معاملة وسوء فهم شديد من قِبلهم، ما يجعلهم يتمسكون بما اتخذوه سابقًا من قيم ومثل وقدوات لهم في مسيرتهم في الحياة، إذًا كيف يمكن للكبار إدخال مفهوم القدوة الصالحة إلى تلك العقول التي لا تؤمن إلا بما تراه وتشاهده عبر الشاشات بكل أحجامها المُتغيرة، من مشاهير كرة القدم، والرياضات الأخرى المُختلفة، ومشاهير السينما والأفلام الغربية، المُفعمة بالعنف والجريمة والإثارة الحركية والحسية لهؤلاء الجماهير الصغيرة، التي تتماشى تطلعاتها وأهدافها مع ما يُعرض أمامهم من أوهام سينمائية خيالية، وأهداف رياضية لا علاقة لها بالقيم الإسلامية والعربية، والأعراف والعادات العربية الجميلة، والتي برزت بصورة ظاهرة في مونديال 2022، في قطر، على مرأى من الكاميرات والفضائيات العالمية، والتي عزت نجاح الفعالية إلى ما حظيت به الجماهير المُشجعة والمُشاركة، من ترحيب وتكريم وجذب وانبهار بكل ما حولهم، من تلك الروح الإسلامية العربية التي احتضنتهم خلال شهر كامل بكل رعاية وضيافة وابتسامات لا تنتهي من قِبل الصغار والكبار من أبناء هذا الشعب الكريم.
هنا تصنع تلك القدوات المطلوبة، لتوارث القيم الصالحة والمحفوظة منذ قرون طويلة في التاريخ الإسلامي العربي، فكل تلك الثقافة الاجتماعية الكريمة، هي جزء من ذلك التاريخ الذي حفظ الإنسان المُسلم الصالح من كل المُحدثات الأخلاقية المُحرمة التي أصبحت في الكثير من العالم جزءًا من سياساتهم القيادية والاقتصادية والعسكرية.
وحيث تضيع هناك الأسماء الخالدة في قلب التاريخ الإسلامي من أنبياء ورسل وأبطال وفرسان، وناشرين للدعوة الإسلامية في أنحاء العالم، والعلماء الذين ما زالت ابتكاراتهم واكتشافاتهم مناهج أساسية يتم تدريسها في جامعات ومعاهد العالم الأجنبي قبل العربي والإسلامي.
هنا، وعلى تلك الخريطة التاريخية بكل شخوصها وعلمائها ومُفكريها، يتم توجيه الأبناء من هذا الجيل والأجيال الأخرى، لوضع علامات تحت الأسماء والتخصصات التي يرغبون في مُتابعتها والسير على نهجها، أعلم أن هذا الأمر للبعض من المُستحيلات، لكننا كأمة إسلامية لم نصل إلى هذا المستوى الحضاري، إلا باقتحام المُستحيل، فلنكن لأبنائنا النواة الجديدة لورثة تلك القدوات البارزة في تاريخ أمتنا وحضارتنا الإسلامية والعربية، ولنكن لهم القدوة الصالحة التي يفخرون بالسير على خطاها.