دفعة رمضان
مسلسل يتكرر كل عام ومع ذلك لا نمل منه !
أجلت الكتابة وقتها إلى ما بعد الإفطار .. وما أدراك ماحلَّ بي بعد ذلك ؟
رمضان فرصة لكي نتقرب من خالقنا ..والعودة لأخلاقنا
لا تزاحم الناس في المساجد خلال الشهر الكريم ثم تهجرها طوال العام
لا تشغل نفسك بعدد ختمات القرآن .. فقط استشعر نفسك وقربك من الله
صوم رمضان ليس المقصود منه حرمان النفس بقدر ما هو غنى النفس

مهلًا مهلًا يا رمضان.. لماذا هذا الاستعجال؟ واللهِ كان يُفترض أن أكتب هذه المقالة مع دخول الشهر الكريم .. لكي أُعِيدَ عليكم تكرار نصائح رمضان الفائت من فتاوى دينية، ونصائح غذائية، وإرشادات رياضية، وكلكم بلا شك تعرفونها، ولكن لابد من التذكير باعتبارها من العادات الرمضانية (الله لا يغير علينا).
الشاهد أنني أجّلت الكتابة وقتها إلى ما بعد الإفطار وما أدراك ماحلَّ بي بعد ذلك؟
دخلت في غيبوبة جميلة.. فبعد صيام 13 ساعة لم أشعر فيها بأثر الصيام! حيث كانت للأمانة 10 ساعات نوم! و2 ساعة على الفراش أستوعب الوضع! و1 ساعة في المطبخ أشرف على الفطور مع كثير من الشكوى!
المهم ما إن ضرب المدفع وحتى قبل أن يقول المؤذن (اللهُ أكبر) شمَّرت عن ذراعيَّ وافترست السفرة عن بَكرة أبيها، ودخلت بعدها في غيبوبة لم أستوعب الوضع إلا وأنا في منتصف الشهر بعد أن بلغ الوزن مبلغه، وبدلًا من أن أردد النشيد الوطني لشهر رمضان وهو (رمضان جانا .. وفرحنابه بعد غيابه .. أهلًا رمضان) صرت أردد مهلًا يا رمضان! وأنتم بلا شك أعزائي القراء تشاركونني هذا الشعور؟
لذلك سوف تكون كلماتي خفيفة عليكم مثل حبات (اللقيمات) ولكن تأثيرها عظيم مثل (الهريس) وأتمنى أن تكون ذات فائدة وليست مثل شراب (الفيمتو) حلو المذاق بلا شك ولكن دون جدوى.
المراد هكذا هو رمضان يرتبط معنا بذكريات بسيطة لمعان كبيرة .. باختصار رمضان ليس مجرد حالة إيمانية، ولكن هو أسلوب حياة وعليه
سوف أطلعك على نصيحة قد تكون لم تسمعها ولن تسمعها!
لا تشغل نفسك بعدد ختمات القرآن الكريم، ولا بعدد ركعات التراويح! ولا بعدد الصدقات! فقط استشعر نفسك وقربك من الله.
لا تقل اللهم إني صائم وأنت في الأصل لست بصائم!
نصيحة أوجهها لنفسي قبلكم وهي: صوم رمضان ليس المقصود منه حرمان النفس، بقدر ما هو غنى النفس، بحيث تسمو معها إنسانيتنا فالإسلام جاء لكي يسمو بالنفس والروح.
نصيحة من أخ: لا تسُب أو تشتُم، ثم تقول اللهم إني صائم، لا تزاحم الناس في المساجد، ثم تهجرها طوال العام، لا تختم القرآن مرات ومرات، ثم تتركه حتى يعلوه الغبار، لا تتعلق بأستار الكعبة في عمرة رمضان، ثم تتمايل في مراقص العيد في شارع الهرم.
للأمانة رمضان تبدّل فلم يعد مثل رمضان قبل 20 عامًا أو أكثر، فهناك أجيال تتعاقب على هذا الشهر .. لدرجة أن تلك الأسئلة التي اعتدنا أن نسمعها تتكرر في كل رمضان على شاكلة: معجون الأسنان يفطر أو لا يفطر؟ تذوق الطعام يفطر أم لا؟ مشاهدة المسلسلات في نهار رمضان تفطر أو لا؟ ونأتي عند السؤال العظيم والذي أخجل من طرحه فما بالك بسماعه كل عام.. طبعًا كلكم تعرفون السؤال؟ وتعرفون الإجابة. اللهم إني صائم! لم نعد نسمعها.
حتى هذا الجيل لم يعد يجرح صيامه منظر عامل مسكين ليس بمسلم يشرب الماء في نهار رمضان حيث كان جيل الطيبين يرفض مثل هذه الأفعال فهو صاحب قلب مُرهف .. لكن الغريب أن هذا الشخص هو نفسه من يستنكر على الاتحاد الفرنسي لكرة القدم عدم سماحه للاعبين المسلمين بطلب وقت مستقطع أثناء المباراة للإفطار !!
المهم .. ليس هذا موضوعنا لانريد الدخول في إشكالات لن نخرج منها بنتيجة.
في الختام احذَر من أن يقتصر التغيير الذي يحدثه شهر رمضان، على التغيير المادي وليس المعنوي، حيث تكتشف أن الوزن قد بلغ مبلغه! أما الإيمان فحدّث ولا حرج!
لذلك في شهر رمضان لنعاود البحث من جديد عن «الله جل جلاله» .. فهناك من يبحث عن الله بين جدران المساجد لذلك تمتلئ المساجد بالمصلين بل تمتد حتى للشوارع!
هناك من يبحث عن الله بين مال الصدقات لذلك تكثر رسائل الجمعيات الخيرية تصدّقوا تصدقوا !! والبعض يسترزق من أبواب التواصل الاجتماعي ! وهناك من يبحث عن الله بين صفحات القرآن. حيث يتسابق الكل لختم القرآن مرات ومرات دون أن يتدبر مرة واحدة.
وعليه.. لماذا لا نبحث عن الله في داخل أنفسنا بين جنبات قلوبنا؟
رمضان فرصة لكي نتقرب من خالقنا، وللعودة إلى أخلاقنا وإلى إنسانيتنا التي خلقنا الله عليها قبل كل الرسالات. تذكر عزيزي الصائم أن الصوم عن الأكل والشراب ليس هدفه الشعور بجوع الفقير .. لأننا أصبحنا نشعر بتُخَمة الغني! لكن الهدف الأسمى أن تستحضر إنسانيتك في أن تشعر بجميع من هم حولك تشعر باختلافهم، تشعر بألمهم، تشعر بحاجتهم إليك وحاجتك إليهم، تشعر بأنك إنسان مثلهم لست أنت بأحسن منهم ولا هم بأحسن منك.