توجّه آلاف من الفقراء والمحتاجين وكبار السن المُعوزين لتسلّم إكرامية العيد في خواتيم أيام شهر رمضان الفضيل، غير أن العشرات منهم لم يخطر ببالهم أنهم يسيرون إلى حتفهم، كان الزقاق مكتظًا إلى درجة الاختناق، والمنادي بأسماء المستحقين بُحَّ صوته لتنظيمهم في طوابير لتسهيل صرف إكرامياتهم بحسب كشوفات تم إعدادها ويجري تحديثها في كل سنة حبًا في فعل الخير وتقديم الصدقات، بحيث يتم تسليمها مباشرة يدًا بيد، إذ هي صدقة وليست في حساب الزكاة التي يتم قبضها من قبل السلطات المعنية.
وقعت الكارثة حين تدخّلت ما يسمى بهيئة الزكاة التي هُرع عاملوها إلى موقع الحدث.. يا للهول هذه زكاتنا وليست صدقاتكم وأمروا بوقف صرف الإكرامية، ورفض المستحقون هذا الإجراء وطالبوا رجل الأعمال (فاعل الخير) بعدم الامتثال لما يريد موظفو الزكاة، وقال المندوبون للموظفين إنما هذه صدقة جارية منذ سنين، وليست زكاة إذ الزكاة سُلِمت لكم بأسنادها، غير أن موظفي الزكاة يطالبون بأن يتولوا هم صرف تلك الصدقات فلا يد تعلو فوق أيديهم ولا مال يُصرف من خلفهم وإنما من بين أيديهم، والمستحقون لها يرفضون لأنهم كما يقولون لن يحصلوا عليها حينئذٍ أبدًا، فتم استدعاء قوات الأمن مدججين بأسلحتهم وسياراتهم رباعية الدفع وخوذاتهم القتالية ملثمين حالقي رؤسهم، ثم وقعت الواقعة حين حاولت تلك القوات تفريق المستحقين ليحدث تدافع غير مسبوق ينتهي بمأساة لم يشهد اليمن مثيلًا لها من قبل.
خيّم الحزن على العاصمة اليمنية صنعاء وعلى اليمن بأسره عشية عيد الفطر لسقوط المئات من طالبي المساعدات العيدية، بين قتيل وجريح، تلك الصدقات عادةً ما يقوم الخيّرون من رجال الأعمال بتوزيعها في مثل هذا التوقيت من كل عام على الفقراء والمحتاجين ليعيشوا فرحة العيد وينالوا حقهم من الصدقات، ولأن الحرب والأزمات التي تعصف بهذا البلد منذ عشر سنوات أسهمت في ارتفاع مُخيف وكارثي في نسبة الفقر والمجاعة بين اليمنيين، ومعظم هؤلاء لا يحصلون على نصيبهم من الزكاة والمكوص التي تفرضها السلطات المتعددة القائمة كأمر واقع، بالإضافة إلى انقطاع الرواتب وتوقف عجلة التنمية التي تتسبب في تفشي البطالة وإلى ما هنالك من الأسباب التي تدفع بملايين اليمنيين إلى طلب الحصول على مساعدة رجال الأعمال والبيوت التجارية العريقة في اليمن، والتي بدورها تحاول القيام بواجبها الديني والإنساني تجاه الفقراء والمحتاجين رغم قسوة الظروف، وقسوة الإجراءات التي تتخذها السلطات المعنية لمنع مثل هذه الأعمال الخيرية، وهي أن فروع الزكاة لابد أن تتولى هي هذا الأمر وليس التجار، في حين يقول التجار بأنهم يدفعون لها زكاة أموالهم وتجارتهم بحسب القانون، وما يقومون به دون ذلك صدقات ومساعدات خيرية وهم أحرار في إنفاق أموالهم كيف يشاؤون.
كارثة عشية العيد وقعت على رأس مجموعة شركات الكبوس ورئيسها رجل الأعمال حسن الكبوس وهو رئيس الغرفة التجارية بصنعاء، ويحظى بتقدير لدى كل القطاع التجاري في اليمن، وللأسف كانت مجموعة شركات الكبوس على واجهة مشهد الكارثة الإنسانية في صنعاء في خواتيم شهر رمضان المبارك، ولكنها بالتأكيد ليس لها أي ضلع في سقوط الضحايا في ذلك التدافع أو الاشتباك العبثي مع رجال الأمن، ورغم تعاطف الناس هنا مع الكبوس ومجموعته إلا أن هناك من يعمل على إلصاق المسؤولية بمجموعته التجارية لأهداف ربما نعرفها لا حقًا، فقد اختلط الحابل بالنابل يومها واتسعت رقعة المجتهدين لتحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية ما حدث، وكل طرف يدفع عن نفسه تهمة التسبب بالكارثة، فالكبوس الذي أعرفه جيدًا رجل أعمال ناجح ومعروف بأعمال الخير والصدقات لا يمكن أن يكون له غاية من تقديم العون للمحتاجين والفقراء سوى الأجر والثواب وبالتالي لم يخطر في تفكيره أن ذلك سيكون سببًا في قتل العشرات أمام بوابات موزعي صدقاته وإلّا لكان أوقف ذلك منذ سنوات هذا هو الحال الذي وصلت إليه اليمن ووصل إليه اليمنيون في زمن الحرب، والفوضى والصراع على النفوذ والسلطة والثروة، وهذه هي إحدى نتائجها الكارثية على هذا البلد وشعبه، الكوارث والموت والفقر والجوع والبطالة، وفوق هذا وذاك غياب القانون واستحضار قوانين وتشريعات لا تدري كيف تدار ولا كيف تصدر ولا بما تأتي به من نتائج وما تخلص إليه من حقائق مقنعة للناس ولذوي الضحايا في حادث مؤلم كالذي حدث للفقراء والمحتاجين في صنعاء وهم يجهدون للحصول على ما يسد رمقهم في عيدٍ لا يبتسمون فيه ولا يفرحون، فقط يأملون أن تشرق شمسه وبطونهم ليست خاوية ودموعهم محبوسة وأحزانهم جزء من رحلتهم في حياة ودَّعها كثيرون منهم قبل أن يلتقطوا صدقاتهم.
رحم الله ضحايا الفقر وضحايا الحرب وضحايا قسوة البشر الذين قضوْا في صنعاء وهم يحاولون الذهاب إلى عيدٍ فكان ذهابهم إلى قبورهم.