واحة النفس.. صفحة متخصصة في الطب النفسي
إطلالة : التغيير إلى الأفضل بعد رمضان
إن تغيير الإنسان هو المفتاح لتغيير أي شيء آخر، ومن دون ذلك، لن نتمكنَ من تحقيق أي تغيير ملحوظ، فما نحتاج إليه لا يقتصر فقط على «الترقيع» أو إيجاد حلول للمشاكل الحالية فحسب، بل ما نحتاج إليه هو تحوّل جذري وشامل، ما يقتضي تغيير القيم وطرق التفكير، وتغيير الوعي، وتغيير أفكارنا وسلوكياتنا كبشر.
كل إنسان له مِفتاحٌ، وإذا وجدت مفتاح ذاتك، ستتمكَّن منها، قاوِم كلَّ مُحاولات الإحباط، سواء كانت نابعةً من ذاتك، أم مِن مُحيطك الخارجي، واجْعَل هدفَ مُقاومتك ساميًا بعيدًا كل البُعد عن التُّرَّهات البشرية التي لا جَدْوى من الركض خلفها، ولا تجعل مِن نفسك حرفًا سقَط سهوًا مثل مُعظم البشر، جَدِّد حياتك، وغَيِّر من نفسك، وتوكَّل على المولَى سبحانه وتعالى، وثِقْ أنه لن يَخذلك ولن يتركك إذ تمسكت بحبله المتين.
فالتغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ أمرٌ يقع في نطاق البشر، وعليهم تقع مسؤولية اختيار أحد النجدين: نجد الهُدى والخير والصلاح، أو نجد الضلال والشر والإفساد.
إن تغيير ما بالأنفُس من أفكارٍ ومفاهيم واتجاهاتٍ وميول، أمرٌ موكولٌ للبشر بقدر الله، وذلك هو ما تُشير إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا» (سورة الشمس : 7 – 10). لكن هذا الطريق الشاق يبدأ منك أيها الإنسان فأنت صاحب التغيير، لأن الأمة تتكون من مجموع أفرادها، فإذا ارتفعت قيمة حياة الفرد بالإيمان والفاعلية فإن قيمة الأمة ترتفع بدورها تبعًا لذلك، فإذا نجحت في التغيير وبناء شخصيتك القوية الفعالة، أصبحت أنت النموذج الذي يُحتذى بك، وهذه أهم خطوة استراتيجية على طريق الرفعة والتمكين، فالبناء الشامل وحده هو الذي يمكن أن يحدث التغيير.
التغيير محتاج إلى شخصية مؤمنة فعالة، لا الشخصية العاجزة السلبية التي لا تُحرك ساكنًا، ناقصة القدرات والمهارات، حتى ولو كان على قدر كبير من الصلاح والتقوى، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول في أبي ذر رضي الله عنه: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر) رواه الترمذي، ومع ذلك يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من تولي الإمارة، ويقول له: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، فلا تولين إمرة اثنين) رواه مسلم.
هذا هو الفهم الذي كان واضحًا لدى المسلمين الأوائل، حيث سادوا العالم بأخلاقهم وبعلمهم وبمُعاملاتهم، وفي الوقت نفسه كانت أوروبا تعيش في ظلمات الجهل والتخلف في العصور الوسطى، ولكن بعد أن تخلى المُسلمون عن حمل لواء العلم والتغيير تبنت أوروبا هذا المنهج وانطلقت نحو البناء والنهضة.
وإذا كنا نريد تغيير ما بأنفسنا والنهوض من ضعفنا وكبوتنا، ونريد لهذه الأمة أن تقوم من جديد، لا بد من العودة إلى أصل حضارتنا ونهضتنا وسيادتنا ورقينا، ونحتاج فيها إلى المؤمن القوي الفعال الذي يأبى أن يعيش عيشة الكسل والخمول، ويأبى أن تمر أيام حياته دون أن يزيدَ شيئًا على هذه الدنيا، كما قال أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي: (فإنك إن لم تزد شيئًا على الدنيا كنت زائدًا عليها).
نفسيات: الإيمان يعزز الصحة النفسية
تعتبر الصحة النفسية من الأشياء التي ينشدها الناس في مشارق الأرض ومغاربها، ولأهميتها في حياة الفرد والمُجتمع، ظهر الدعاة إليها، الذين يقولون إن رسالتهم هي مُساعدة الأفراد على أن تكون لهم البصيرة والقدرة على التصدي لمُشكلاتهم اليومية، والقدرة على حلها، بما يؤدي بهم إلى الصحة النفسية.
وقد أثبت كثير من الدراسات أن الأشخاص الذين يتمسكون بالدين يتمتعون بصحة أفضل، ويعيشون مدة أطول، من نظرائهم البعيدين عن الدين، وتوصلت الدراسة أيضًا إلى أن جهاز المناعة ينشط عند كبار السن الذين يرتادون أماكن العبادة باستمرار وبصورة مُنتظمة، بعدما درسوا هذه الظاهرة عند 550 شخصًا فوق الخامسة والستين، ولاحظوا أيضًا أنهم يصبحون أقل عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم وانسداد الشرايين.
وهذه النتيجة قد تم تأكيدها قبل أربعة عشر قرنًا، وأن الراحة النفسية تكمن في التمسك بالدين والمُحافظة على العبادات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرحنا بها يا بلال»، وما أقرب الراحة من قرة العين. وهذا ما أثبتته هذه الدراسة التي بين أيدينا، ففي دراسة مقدمة من جامعة (توماس جفرسون، فيلادلفيا) تفيد بأن ممارسة رياضة اليوجا الكلاسيكية لها أثر في تقليل مستويات هرمون الإجهاد أو ما يُعرف باسم كورتيسول.
وقد أكدَ ابن القيم على أهمية الصحة النفسية التي يسميها السعادة القلبية أو الحياة الطيبة المُتصلة بالإنسان وأنه ينبغي معرفتها تفصيلًا والمُحافظة عليها، فقال: (ولما كانت الصحة من أجلّ نعم الله على عبده، وأجزل عطاياه، وأوفر منحه، بل العافية أجل النعم على الإطلاق فحقيق لمن رزق حظًا من التوفيق مُراعاتها وحفظها، وحمايتها عما يضرها)، وقال: يحتاج الإنسان لأمرين بهما يتم سعادته وفلاحه:
أحدهما: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم وما جربه في نفسه وغيره وما سمعه من أخبار الأمم قديمًا وحديثًا.
الأمر الثاني: أن يحذر من مُغالطة نفسه على هذه الأسباب.
إن معيار الصحة النفسية الذي وضعه الإسلام ليس معيارًا وضعيًا من صنع البشر، وإنما هو معيار حدده لهم خالقهم جل وعلا، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
ولا شك في أن اتباع المُسلم للمنهج الإسلامي اتباعًا صادقًا هو خير ما يُساعده على بناء شخصية سوية متوافقة، وخير ما يقيه مما يمكن أن يحدث له نتيجة لما يلم به من مُلمات، وخير ما يُعالجه حين ينتابه الوهن والقلق والخوف والاكتئاب.
استشارات: أعاني من شيء غريب في حياتي
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا عمري تقريبًا 21 عامًا، وأعاني منذ زمن بعيد عندما كنت صغيرة في المرحلة الإعدادية من حالة غريبة جدًا تزعجني كثيرًا، هي أنني فجأة أفقد الشعور بنفسي وبالواقع، وأبدأ أشعر كأن ما أراه أمامي حلم، يعني كأنني نائمة وما أراه هو أحلام، ، حتى عندما أريد أن أتكلم أحس كأنني لست أنا، أبدأ أشعر أني لا أستطيع الشعور بالواقع من حولي، شعور مُزعج جدًا، كأن عندي مرضًا معينًا بالدماغ أو شيئًا آخر، لست أدري، لكن الأمر مُزعج كثيرًا، وكذلك أعاني من اكتئاب وتوتر وخجل، والتفكير كثيرًا والوسوسة في الصلاة، أفيدوني، جزاكم الله خيرًا.
أختكم / نور.
- الإجابة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي السائلة نور حفظكِ الله ورعاكِ، وأشكركِ على تواصلك معنا.
اعلمي أن القلق هو شعور الإنسان بعدم الراحة تجاه شيء ما يمكن أن يحدث وهو غير مؤكد، أو خطر محدق يخاف منه الإنسان؛ فيشتت ذهنه، ويضايقه، ويقلق منامه، ويعكر صفوه! والقلق الشديد والذي يعتبر مرضًا يعتبر عدو النجاح والوصول إلى الهدف المنشود، بخلاف القلق البسيط الذي يجعل الذهن مُتفتحًا ومُنتبهًا لما يدور أمامه!
وهذا الخوف هو خوف وهمي تتخيلينه أنت من شدة التعب، أو القلق، أو مرت عليك حادثة مؤلمة جعلتك تتخيلين كل شيء يحدث أمامك سيضرك ويتعبك، فعندما يأتيكِ هذا الفزع والقلق، فلا تخافي، واجعلي إيمانك بالله قويًا، ولا تفكري في الأمور المجهولة، ولا تشغلي بالك بها.
ويجب أن تعلمي أن الخوف والقلق لصان من لصوص الطاقة، وهما عائقان في وجه النجاح؛ لأنه يستهلك جميع طاقتك وقواك، ويجعلك تركزين تفكيرك على النواحي السلبية التي تكمن في حياتك بدلًا من أن تركزي في تفوقك، ونجاحك في الحياة.
حاولي أن تواجهي هذا الخوف بقوة الإيمان، وقوة اليقين والاعتقاد، وإذا كنت تعيشين حياة الفزع والخوف، فإنك ستظلين أسيرة حبيسة للخوف طوال حياتك، وتفنين عمرك في الأوهام، بادري بالانطلاق، ولا تفكري في شيء، وأبعدي عنك القلق والخوف، عيشي حياتك بعيدًا عن التوتر.
اعلمي أن الإنسان الإيجابي هو الذي يأخذ بزمام المُبادرة في حياته، ويعترف بمسؤولياته الكاملة عن أفعاله وتصرفاته، فيكون تفكيرك إيجابيًا بعيدًا عن الارتباك والخوف والقلق، والشخص الإيجابي يتميز بصفات، نذكر منها:
1- ألا ينهزم للواقع، بل يبحث عن البدائل دائمًا.
2- يتحكم في ردوده وأفعاله.
3- يبذل قصارى جهده كي يفوز بثقة الآخرين.
4- يجرب أساليب كثيرة تُقرّبه إلى الناس ولا ييأس.
واطمئني، فأنتِ بخير ولله الحمد، وهذا مجرد ضعف في شخصيتك، فحاولي أن تقويها كما ذكرت لكِ، وتقدري ذاتك وتعيدي الثقة بنفسك، لكن أحذركِ من لصوص الطاقة الذين يسرقون منك النجاح والعزيمة والجد، حاولي أن تحذري منها، وهي: التعب، والقلق، وتشتت الذهن، وكثرة الأكل، أي: التخمة، فكلها لصوص تعمل على سلب الطاقة الفكرية والجسدية من الإنسان.
وقد تحتاجين أيضًا إلى جلسات إرشادية نفسية من أجل تهدئة النفس وتعزيز الأفكار الإيجابية لديكِ.
وبالله التوفيق.
التفكير الإيجابي:
– إن العجلة والهوج والطيش في أخذ الأمور وتناول الأشياء، كفيلة بحصول الضرر وتفويت المنفعة، لأن الخير بُني على الرفق «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه» .
– إن الرفق في التعامل تذعن له الأرواح وتنقاد له القلوب وتخشع له النفوس.
– إن الرفيق من البشر مفتاح لكل خير تستسلم له النفوس المستعصية، وتثوب إليه القلوب الحاقدة.
– اترك المُستقبل حتى يأتي ولا تهتم بالغد، لأنك إذا أصلحت يومك صلح غدك.
همسات:
– إن على الرجل أن يسكتَ إذا غضبت زوجته، وعليها أن تسكت هي إذا غضب حتى تهدأ الثائرة، وتبرد المشاعر وتسكن اضطرابات النفس.
– ما أحوجنا إلى المُثابرة واستثمار الوقت، ومسابقة الأنفاس بالعمل الصالح النافع المفيد.
– التوسط في المعيشة أفضل ما يكون، فلا غنى مطغيًا ولا فقرًا منسيًا، وإنما ما كفى وقضى الغرض وأتى بالمقصود في المعيشة، فهو أجل العيش عائدة، وأحسن القوت فائدة.
– إذا انتهى وقت المشاورة والاستخارة، وعزمت وتوكلت وصممت وجزمت، فاترك حياة التردد والاضطراب.