بقلم/ عبدالبديع عمر خلف الله:
مهما تكن قوة تأثير التدخلات الخارجية في الأحداث الدموية المؤسفة التي يشهدها السودان بسبب الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وعن ضلوع أياد خارجية «خفية» في هذه الأحداث، فإن هذه التدخلات وهذه الأيدي الخارجية، مهما كان تأثيرها، ليست الشرارة التي أشعلت هذا الحريق المدمر الذي من شأن استمراره أن يشعل السودان بأكمله ويدخله في نفق مظلم سيبقى من الصعب الخروج منه، وإن تحقق ذلك، فإن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوداني، سيكون فادحًا جدًا، لن يقل فداحة عن ثمن تجزئة وتقسيم السودان إلى سودانيْن، فما يجري الآن على أرض البلد ليس مجرد مناوشات عنيفة بين طرفين متخاصمين، بل إن ما يحدث يرقى إلى الحرب بين جيشين مدججين بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
حتى الآن فإن جميع محاولات إقناع طرفي النزاع بوقف الاقتتال والاحتكام إلى لغة العقل ومراعاة مصالح الشعب السوداني، هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل بسبب تمسك الطرفين بمواقفهما المتعنتة وإصرار كل طرف على تحقيق ما يعتبره هدفًا مشروعًا، وهذا الفشل لا يعود إلى تدخلات خارجية، وإنما بسبب المواقف الخاطئة للطرفين وهو ما يؤكد عدم وضعهما أي اعتبار لمصالح أبناء الشعب السوداني، ولمستقبل السودان بأكمله، ذلك أن استمرار الصراع المسلح بين الجانبين من شأنه أن يجر أطرافًا سودانية أخرى إلى ساحة الاقتتال وبالتالي يحمل ذلك تهديدًا خطيرًا للنسيج الاجتماعي السوداني الهش.
فالشعب السوداني في غالبيته متضرر من هذا الصراع العبثي وهو وحده دون غيره من يدفع الثمن المادي والسياسي أيضًا، فأعداد الضحايا من المدنيين الذين سقطوا قتلى ومصابين جراء هذا الصراع الدموي يؤكد هذه الحقيقة، كما أن هذا الصراع من المؤكد ستكون له انعكاسات سلبية وخطيرة على عملية التحول السياسي السلمي في البلاد، حيث فشلت حتى الآن كل جهود وضع العربة السياسية على سكتها الصحيحة، لأسباب كثيرة.
السودان الذي كان يحتاج إلى ما يشبه المعجزة للخروج من المأزق السياسي الذي يتخبط فيه منذ الإطاحة بنظام البشير، وهو النظام الذي خلف إرثًا ثقيلًا وخطيرًا على المشهد السياسي السوداني، السودان في مثل هذه الأوقات هو أحوج من أي وقت مضى إلى تضافر قوى جميع مكوناته لتهيئة الأرضية الصالحة والسلمية لانطلاق العملية السياسية من أجل بناء دولة مستقرة تعيد إلى الشعب السوداني الأمل الذي افتقده ، لا أن يدخل مرة أخرى في نفق من الصراعات الدموية العبثية التي لن تثمر شيئًا سوى المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية أيضًا.