كتاب الراية

بيني وبينك …. أفلمة الرواية

خمسة بالمئة فقط من الروايات الناجحة تتحول إلى أفلام ناجحة

هل يُمكن أنْ نُحوّلَ الرّواية إلى فيلم؟ مُمكن. هل هذا التّحويل يُفقِد الرّواية جزءًا من روحها؟ نعم. كثيرًا أم قليلًا؟ يعتمد ذلك على قُدرة المُخرج في أنْ يتقمّصَ روح الكاتب والكِتاب، وهذا لا يحدث إلا في حالَين: إذا عاشَ المُخرِجُ تجربةً شبيهةً بتلك الّتي عاشَها الكاتب، أو إذا كان المُخرِج مُثقّفًا ثقافةً تُساوي ثقافة الكاتب أو تزيد عليها، والحالان ليستا سهلةَ التّحقيق أو التّحقّق عند كِبار المُخرجين، فما بالكَ إذا تصدّى للأمر مُخرجٌ عاديّ. والمُخرِج الّذي يُقدّر الأمر بشكلٍ حَسَن، يعرف أنّ تحويل الأعمال الأدبيّة الكبيرة إلى السّينما تحدٍّ شاقٌّ وصَعبٌ.

الحقيقةُ أنّه ما من روائيّ – بوجهٍ عامٍّ – إلا ويحلم بأنْ تتحوّل شخوصه المصنوعة من حبرٍ وورق إلى شخوصٍ من لحمٍ ودم، والواقع يقول لنا إنّ هذا الحُلم بعيدُ المنال على طرفَيه؛ الكاتب والمُخرج، وأنّ ما يقربُ من خمسةٍ في المئِة فقط من الرّوايات النّاجحة هي الّتي تتحوّل إلى أفلامٍ ناجِحة، فَثَمّة عقَباتٌ تجعل أمر تحويل بعض الرّوايات إلى أفلامٍ مُستحيلًا، فبعضُ ما تقوله اللّغةُ من مشاعر، وما تكنزه من عواطف لا يُمكن لعدسة الكاميرا أنْ تترجمه، فإذا كانت اللّغة أحيانًا عاجزةً عن تَمثُّل العاطفة، فإنّ الكاميرا ستكون أعجز.

من التّجارب الّتي يحسُن ذِكرها في هذا المجال، أنّ ماركيز على سبيل المثال رفض أنْ تُحوّل روايته الأشهر (مئة عام من العزلة) إلى فيلم رفضًا قاطِعًا. ومع أنّه كتب بعضَ النّصوص للسينما ابتِداء، إلا أنّه لم يقبل لرواياته ذلك بوجهٍ عامّ، ولم تنجُ من هذا الاستِثناء إلا «قصة موت معلن» و«الحب في زمن الكوليرا» .

ولا أدري أين قرأتُ أنّ كاتِبًا حضر عَرْضَ مسرحيّته بدعوةٍ من المُخرِج، الّذي لا شَكّ أنّه أرادَ أنْ يرى الكاتب ثمرةَ جهوده مع طاقمه الفنّان حتّى استطاعوا أنْ يَخرُج العمل بهذا الإتقان. وبالفعل استجاب الكاتبُ للدّعوة، وجلسَ في الصّفوف الأولى يُتابع العرض المسرحيّ، وقبلَ أنْ ينتهي خرج من المسرح وهو يصيح: «هذه ليستْ مسرحيّتي.. هذه ليستْ مسرحيّتي» .

إنّ هذا ما يحدث؛ لكنّه ليسَ خطأ المُخرج أنّه فقدَ الشّرطين اللّذين قُلتُهما آنِفًا، إنّ الفيلم هو وجهة نظر المُخرج عمّا قرأ من الرّواية، إنّها انطِباعه عنها، قامَ بإلباس وجهة النّظر هذه للمُمثّلين فخرج الفيلم بهذه الصّورة، وهي بالضّرورة ليستْ وجهة النّظر لقارِئ آخر، إذ إنّ وجهات النّظر حول الرّواية أو الآراء فيها تتعدّد بتعدّد القراءات لكلّ واحدٍ منهم؛ خطيئة الفيلم هنا أنّها تُلزِمك بوجهةِ نظرٍ واحدةٍ هي وِجهة نظر المُخرج كما قلتُ، ولو أنّكَ قرأتَ الرّواية قبل أنْ تحضر الفيلم، لربّما صِحتَ كما صاح الكاتب الآنف الذِكر: «هذه ليست الرّواية» !

إلاّ أنّه مع مثالب هذا التّحويل، لا يُعدَم الخير في أفلمة الرّوايات إذا جازَ التّعبير، ولا أريدُ أنْ يُفهَم من كلامي السّابق أنّني ضِدّ هذه الأفلمة بالمُطلَق، فلقد كانتْ لي تجربة جيّدة لا أدري إنْ تمّتْ أم لا مع رواية (يسمعون حسيسها) بتحويلها إلى فِيلم. ومُؤخّرًا استُشِرتُ في أفلمة رواية (طريق جهنّم)، وفي الأمر خيرٌ لا يُنكَر!

الأردنّ

AymanOtoom@

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X