تجربة حياة.. الرغبة في التحكم والمقدرة على التأثير
لماذا نسعى للتحكم فيما لا يمكن التحكم فيه ونغفل عن إمكانية إحداث تأثير ما..؟
تعترينا رغبةٌ قويةٌ لا إرادية لمحاولة التحكم في مختلف الظروف والأوضاع، التي تشكل بمجملها الصورة العامة لنمط حياتنا، وقد تمتد هذه الرغبة لتطال السعي للتحكم في عقلية وشخصية وتصرفات الأشخاص المحيطين بنا في محاولة لوضعها جميعها في الإطار الذي نرى -نحن- بأنه الأنسب بمفهومنا الشخصي وبأنه الأصح بالمفهوم العام لمنطق الأمور.
ولكن هل من المنطق حقًا أن نعتقد بأننا قادرون على التحكم بكل ما يطرأ علينا من ظروف وما يحيط بنا من أشخاص؟ ما هو الثمن الذي ندفعه مقابل هذا الاعتقاد؟ ما هو مصير الجهد الذي يبذل والوقت الذي يستهلك في محاولاتنا للتحكم بما لا يمكن التحكم به في الواقع؟ ما هو الأثر النفسي الذي يمسنا عندما لا تتحقق النتائج على النحو الذي نريده؟ كيف يؤثر كل ذلك على نظرتنا لأنفسنا وعلى ثقتنا بإمكانياتها ومقدراتها؟.
إن الإجابة على تلك التساؤلات، تستدعي بدايةً التوقف عند الأسباب التي تدفعنا إلى انتهاج هذا النمط من التفكير وإلى التصرف على النحو المُغاير لحقيقة الأشياء ومنطقها، فنحن نندفع لمحاولة التمسك بزمام الأمور دون وعي أو تمييز بين ما يمكن التحكم به وما لا يمكن التصرف بشأنه، إما كنوع من آلية دفاعية مسبقة نعتقد أنها ستحمينا، وستسلمنا من أية تداعيات سلبية قد يحملها إلينا وضع ما، فنعمل بشكل مسبق على بذل أقصى طاقتنا من التفكير والتحليل للتنبؤ بأسوأ الاحتمالات التي قد تحدث وكيف يجب أن نتصرف لتجنب حدوثها أو على الأقل للتخفيف من وطأة تأثيرها المفاجئ، وقد تكون رغبتنا للتحكم نتيجة خوفنا من القلق الذي سنشعر به فيما لو حدث ما نخافه فعلًا، وتأثيره على تزايد حدة هذا القلق ودخولنا معه في دوامة من الصراع النفسي المُرهق. إذ لو كان كل شيء تحت السيطرة، لن يكون للخوف أو للقلق أي داعٍ على الإطلاق. ولكن، وبغضّ النظر عن التصور أو السبب الذي يحرك رغبة كل منا للتحكم، فإن الوعي بما يقع تحت سلطة مقدرتنا لتغييره وبين ما يخرج عنها هو الأهم، لأن هذا الوعي سيكون الدليل الذي سنسترشد به قبل أن نبذل أي مجهود -فيما ليس بمقدورنا التحكم به- فلا يثمر أو نستهلك فيه أي طاقة فتذهب سدًى. إن الثقة بالذات وبما تمتلكه من مؤهلات وكفاءات وخبرات، وبقدرتك على تحقيق الأهداف وتسجيل الإنجازات لا يفترض أن يتجاوز بمفهومه وبتطبيقاته، مفهوم الحقيقة والواقع وهو أننا في أعظم إمكانياتنا العقلية وأقوى طاقتنا الجسدية وحدّة ما قد نتمتع به من ذكاء عاطفي، ليس بمقدورنا على الإطلاق أن نُخضع كل شيء في حياتنا لهوى رغباتنا أو أن نجعله يحدث بشكل مطلق على النحو الذي يخدم مصالحنا ويحقق أهدافنا، وكذلك الأمر فيما يخص الأشخاص الآخرين في عقليتهم ونوعية شخصيتهم والطريقة التي يتفاعلون بها، هي ليست مما يمكن التحكم به وتوقع بأن يحدث هذا التحكم إن حصل التغيير الذي نتمناه وإنما قد نستطيع فقط أن نؤثر بطريقة ما.
وكم سنتجنب خيبات أمل، وكم سنتمكن من تأسيس وتعزيز مناعة ذاتية تحمينا من الاستهلاك الجسدي والإرهاق النفسي كلما تصالحنا مع واقع لا يمكن تغييره وهو أنه بين ما يمكننا التحكم به وما لا يمكن تتحدد الأمور التي يُحسب لها في الفكر حيزٌ فيكون فيها الجهد والوقت مثمرين ووجودنا في ميدان التعاطي معها مؤثرًا وما عدا ذلك، فإنه يتجاوز مقدرتنا على التغيير، فيبقى ملكًا للقدر وله فيه حسابات أخرى.
مدربة حياة – Life Coach