سطور شاردة.. عبيد أم موظفون ؟
لماذا لا تضعون مقاسًا على الإنتاجية والإبداع وليس على الحضور والانصراف؟
إن من المفاهيم الأساسية في علم الإدارة الحديثة هو ما يُسمّى بالحكامة، وهي شفافية الأعمال الإدارية وربط المسؤولية بالمُحاسبة، حيث إن الإدارات الحديثة تُحاول أن تضعَ معاييرَ وسياساتٍ تسعى إلى تنفيذ الأعمال الإدارية بجودة واستغلال الموارد البشرية أفضل استغلال.
إن هذه المبادئ مبادئ أساسية وإيجابية طبعًا لتحسين عمل الإدارات وتقديم خدمات للمواطنين بالمستوى المطلوب. لكن للأسف هناك بعض الإدارات في بلادنا تفهم هذه المبادئ بطريقة معكوسة، فتجد لها تطبيقات غربية لا علاقة لها بالحكامة والشفافية في شيء. وقد لا تُصدّق أيها القارئ العزيز ما سوف تسمع عن وزارة تُطبّق برنامجًا إلكترونيًا خاصًا للموظفين في إطار الشفافية والمُحاسبة، مهمة هذا البرنامج أن يحسب الحضور والانصراف للموظفين، والمُشكلة لا تكمن هنا، المُشكلة أن هذا البرنامج يحسب لك بالدقيقة الواحدة. وسوف يُطبق خصمًا من راتب الموظف يساوي هذه الثواني والدقائق، والصدمة الثانية لو أن موظفًا ما خرج لمدة خمس أو عشر دقائق، لأي سبب من الأسباب ولغرض من الأغراض فإنه سيُنفذ عليه حكم الإعدام ربما! كأنه ارتكب جُرمًا لا يُغتفر.
والأدهى والأمرّ من هذا، أنه يتم تثبيت كاميرات المراقبة في كل ركن وزاوية في الإدارات، مهمة هذه الكاميرات مُراقبة الموظفين حتى لا يهربَ أحدهم، فتنتهك خصوصياتهم دون إذن أو موافقة منهم، فكأنهم سجناء، فهذا يُذكِّرني بفيلم «الهروب من سجن الكاتراز»، وليسوا في إدارة حكومية يؤدّون فيها أعمالهم.
تُتابع هذا المشهد كأنك تُشاهد فيلمًا سينمائيًا من أفلام جيمس بوند ومسلسل رأفت الهجان، كله تخابر وتجسس على الموظفين ومُراقبة وتوجس منهم حتى لا تأخذهم سِنَةٌ أو نومٌ، أو يغيبوا لهنيهة ولو كان الظرف طارئًا. وقد اشتكى بعض الموظفين أن الخصومات تصل إلى العشرين ريالًا أو مئات أو آلاف الريالات، وذلك حسب الدقائق والساعات المُسجّلة عليهم.
هل سمعت من قبل عزيزي القارئ هذا؟، هل لك أن تتصورَ هذا؟، نعم هي ليست دائرة حكومية همها الإنتاجية والتطوير، وإنما ثُكْنَة عسكرية غايتها التضييق على الموظف وقطع أرزاق الناس.
قد يقول قائلٌ، إنني أدافع عن التسيب وتبذير أوقات العمل، لكن لو أخذ الأمر بشموليته لفهم قصدي ولغيّر رأيه. فالعمل يحكمه شيء مُهم وهو الضمير، والفاعلية في الإنتاجية وليس الساعات أو الدقائق التي أقضيها وراء الحاسوب أو خلف المكتب. فأي تأثير لعشر دقائق أو ربع ساعة يقضي فيها الموظف حاجته أو يستريح فيها ويحتسي فنجان قهوة؟، بل إن أغلب الموظفين يخرجون قبل الوقت بربع ساعة أو عشرين دقيقة لينتظروا عند البوابات الإلكترونية حين ساعة الصفر، لكي يتفادوا زحمة المصاعد فقط لا غير.
إذن هل هذا حل أيتها الموارد البشرية؟ هل استفدتم من هذا الوقت الضائع؟، لماذا لا تضعون مقاسًا على الإنتاجية والإبداع وليس على الحضور والانصراف؟ لماذا تنظرون من زاوية واحدة ولا تنظرون من جميع الزوايا؟ لماذا الرؤية لديكم ضيقة وسطحية حد الغباء؟ وإلى متى هذا التعسف واعتبار الموظف كعبد مأمور؟
فالموظفون ليسوا أطفالًا في روضة أو مدرسة ابتدائية، هي ليست عبودية إنما هي وظيفة حكومية. أطلقوا العِنان لمخيلتكم، أبدعوا في سبلٍ تجعل الموظف يرتاح في عمله ويحبه ليُعطي فيه أكثر، فموظف مرتاح، إنتاجيته في ساعة تساوي أو تفوق إنتاجية يوم كامل لموظف يشعر أنه في السجن. فالدول الحديثة التي تُقلدونها تعتمد على معايير الإنتاجية والنتائج لتقييم الموظفين، وليس على معايير بائدة ترجع لعصور الاستعباد والرق!