المنتدى

جنرالات السودان

حافظوا على الوطن بالانتقال السلمي للسلطة وإقامة حكم مدني ديمقراطي

بقلم /سامي كمال الدين ( إعلامي مصري )

 

البشير ليس ببعيد عما يحدث في السودان الآن بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، نحن شعوب عاطفية تندم على الأيام الخوالي، وهي الأيام التي ذاق فيها شعبُ السودان الويل والثبور والهوان تحت حكم نظام عمر البشير.
ثورة السودان ضده كانت حُلمًا كاد يصل إلى عَنان السماء، أن تكونَ أرض السودان حرة، يعيش شعبها بكرامة وعدالة، يرسمون على السماء ابتسامات صغارهم الفرحة بالانتصار.
لكن ما إن نجحت المرحلةُ الأولى من الثورة السودانية، حتى دخلت في المرحلة الأصعب، وهي الحرب الباردة بين الثوار والجنرالات، وهي نفس المرحلة التي عانت منها ثورة 25 يناير 2011 في مصر، وما زلنا ندفع ثمنها حتى الآن، ومن مظاهر هذه الحرب مُحاولات جنرالات البشير التقرّب من شعب السودان بفضح البشير على رؤوس الأشهاد وتحويله من حاكم يحكم باسم الله، ويجلد فتاة لأنها ارتدت بنطالًا من الجينز إلى عربيد ضبطت في بيته مئات من زجاجات الخمر، وملايين من الجنيهات، مثل قصة الـ 75 مليارًا التي هرّبها مبارك إلى سويسرا!
لست في معيار الحكم على البشير، ولا يعنيني إن كان سكيرًا أو لا يُفارق سجادة الصلاة، فلم تكن وظيفته إمام مسجد، ولا داعية إسلاميًا، لكي أحكمَ عليه بهذا المعيار، لكنه كان حاكمًا مُستبدًا ديكتاتورًا، مثل أغلب الحكام العرب، يدّعي أنه يحكم باسم الإسلام، والإسلام منه ومنهم براء. لذا فإن مُحاولات الجنرالات في السودان لإظهار أن بيت البشير كان مغارة علي بابا لن يُغطي على مُطالبات الشعب لهم بتسليم السلطة، وتحويل السودان إلى دولة مدنية ديمقراطية، ينعم شعبها بخيرات بلاده التي نهبوها هم والبشير ورجاله.
إنها ليست المرة الأولى التي يتم الالتحاف فيها بالدين في السودان، يحكي وينستون تشرشل في كتابه THE RIVER WAR وقد شارك في حرب الاحتلال البريطاني على المهدي عام 1898 وعمل مُراسلًا حربيًا لصحيفة الديلي ميرر إضافة لعمله كضابط تحت قيادة اللورد كيتشنر السردار المصري، وذهب من مصر إلى الخرطوم ليلحق بفرقة الخيالة المصرية بقيادة الكولونيل برودوود، ليصلوا إلى أم درمان، التي كانت تحتل قدسية لدى الإمام المهدي.
كان عدد جيش الإمام المهدي المُسمى بالدراويش 60000 وعدد الحملة الأنكلو-مصرية 25000 جندي. لكنهم يمتلكون السلاح الأحدث والبنادق والمدفعية.
الإمام محمد أحمد المهدي الذي ادعّى أنه المهدي المُنتظر المُنقذ للسودان من الضرائب التي تحصل منه من قِبل الدولة العثمانية، والمُنقذ للدنيا كلها، وأنه جاء ليُخلّص الأرض من الظلم والجور الذي انتشر فيها ويُعيدها إلى الإيمان بعد أن دخلت في الكفر.
كما ادعى المهدي أنه مبعوث رسول الله، ادعى البشير أنه يحكم على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يكتب تشرشل واصفًا جيشهم وجيش المهدي، في المقال الذي نشرته الديلي ميرر، ونشره بعد ذلك في كتابه حرب النهر «بيارقهم البيضاء علامات فارقة تُميّزهم تمامًا، وبمجرد رؤية مُعسكر العدو، بدؤوا بإطلاق النار من بنادقهم مُسرعين في تقدمهم. لوهلة قصيرة، تقدمت الأعلام البيضاء بنظام مُنضبط، فانكشف مجموع القوة مع اجتياز القمة. منذ ذلك، راحت المدفعية والسفن الحربية وكل المدافع المُتوفرة تفتح النار بسرعة، فأصيبوا بعشرين قذيفة منذ الدقيقة الأولى. وكانت بعض القذائف تنفجر في رؤوسهم، بينما القذائف الأخرى تضربهم في صدورهم، وقذائف غيرها تنغرز في الرمل، ومع انفجارها تطلق سحائب من الغبار الأحمر، مع تواصل الانفجارات والطلقات في وسط صفوفهم. راحت بيارقهم البيضاء تنهار في كل الاتجاهات، غير أنهم يعودون إلى النهوض بسرعة، بينما رجال من خلفهم يسرعون كي يموتوا باسم القضية المُقدسة للمهدي».
قتل في هذه المعركة في أقل من ساعتين سبعة آلاف من دراويش جيش المهدي، و75 من رماة الرمح في جيش الاحتلال قتلوا في دقيقتين.
تم قصف قبر المهدي، واحتفظ كيتشنر بجمجمة المهدي واستخدمها محبرة!
لم يكن المهدي يرى أنها معركة احتلال وحرية، بل هي معركة باسم الإسلام تتطهر منها البشرية كلها ليُعيدَ العدل في الأرض ويُخلّصها من الشرور، بينما هو واقع تحت حكم الدولة العثمانية التي تحكم باسم الخلافة والإسلام، وهو يراه والاحتلال ضد الإسلام، وهو نفس ما فعله البشير الذي كان يحكم شعبًا مُسلمًا ومؤمنًا بالله، لكن إيمانه الحقيقي لن يكتملَ إلا بالانصياع إلى الحكم ودعمه وتأييده في خيره وشره، لا كما قال أبو بكر «فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني»، ثم يأتي الجنرالات الآن ليدعّوا أنهم يخافون على كبائر الله وحرماته، من خمور وأموال في بيت البشير، وأين كنتم أثناء حكم البشير؟ أين كانت مُخابراتكم وعسسكم، أم كنتم تُغيّرون المنكر بقلوبكم فقط، وأنتم من تملكون القوة. لا تُحاولوا خداع الشعب وتسرقوا ثورته، وتُعيدوا الاستبداد في نسخة جديدة، فقط حافظوا على هذا الوطن بالانتقال السلمي للسلطة وإقامة حكم مدني ديمقراطي روحه الإسلام الحقيقي دون لفٍّ أو دوران.

 

@samykamaleldeen

 

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X