المنتدى

لمُّ الشمل العربي بين بشار وزيلينسكي

الرهان على تَغيُّر الأسد مجرد «سراب»

بقلم /د. محمد نشطاوي

 

كان الكل مُتوقعًا أن تُهيمنَ عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية على جدول أعمال قمة جدة السعودية بعد أزيد من عقد من الغياب، لكن سرعان ما ظهر ضيف مُفاجئ، إذ جاء فولوديمير زيلينسكي لاجتذاب القادة العرب، على أمل أن يلقى أخيرًا آذانًا صاغية لدعواته لإدانة الغزو الروسي.
لكن لم يكن حضور الرئيس الأوكراني، الذي فرضت حضوره المملكة العربية السعودية، والذي فوجئ الكثيرون بظهوره في القمة، محل ترحيب من قِبل جميع القادة الحاضرين، وكثير منهم مُقربون من روسيا، كما انقسم الشارع العربي بين مُؤيّد ومُعارض لمُشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية التي انعقدت بالسعودية.
وفي خطابه، انتقد الرئيس الأوكراني القادة العرب لتجاهلهم الجرائم الروسية في أوكرانيا، مُتطلعًا في الوقت نفسه إلى دعمهم للخُطة الأوكرانية للسلام، ومُشيرًا إلى أهمية بلاده في تصدير الحبوب إلى المنطقة العربية التي لا تستغني في غذائها عن رغيف الخبز.
أما كلمة الأسد، فقد جاءت لتُطالب بـ «ترك القضايا الداخلية لشعوبها، فهي الأقدر على تدبير شؤونها، وما على العرب (كجامعة) إلا منع التدخلات الخارجية في بلدانهم، والمُساعدة عند الطلب حصرًا»، مُتحدثًا عن «سوريا قلب العروبة»، مع إعطائه للجميع دروسًا في العروبة والقومية، وأن تكون سوريا في قلب «البيت العربي».
ورغم اقتناع عدد من القادة العرب، بأن الرهان على تَغيُّر الأسد هو مجرد «سراب»، لا سيما أنه في قرارة نفسه يتعامل على أنه هو المُنتصر، وأن على الآخرين أن يستوعبوا ذلك، لذلك جاء قرار الجامعة العربية رقم 8914 الذي ربط استئناف مُشاركة سوريا في مجلس الجامعة بضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرُّج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ «خطوة مُقابل خطوة»، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بدءًا بمواصلة الخطوات التي تُتيح إيصال المُساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا وفق الآليات المُعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأن استعادة سوريا لموقعها العربي سيكون قيد الاختبار.
لقد حاولت السعودية تقديم نفسها كلاعب محوري في المنطقة من خلال ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد عبر اللعب على توازنات قد تبدو خطيرة.
فرغم أن قمة مجموعة السبع أكدت رفضها التطبيع العربي مع النظام السوري، وإعادته إلى جامعة الدول العربية، ومُلاحقة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سوريا. ورغم أن الولايات المُتحدة تفاجأت نوعًا ما بالتقارب السعودي الإيراني وبوساطة صينية، ورغم أن الغرب ومعه الولايات المُتحدة ضغطت بقوة من أجل مزيد من النفط السعودي للحيلولة دون ارتفاع الأسعار، بعد الموافقة على خفض إنتاج النفط الذي رفع أسعار الطاقة العالمية وساعد موسكو المُصدّرة للنفط على تحمل تكاليف حربها على أوكرانيا، إلا أن الموقف السعودي لم يتحرك قِيد أنملة من أجل طمأنة الغرب، بأنها لم تخرج من جُبته، أو أنها حوّلت بوصلتها إلى اتجاهات أخرى، استمرت المملكة العربية السعودية في نهجها، لكن من خلال رؤية «محسوبة» عملت على إراحة الغرب من خلال دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وتقديم وعود بقيمة 400 مليون دولار كمُساعدات إنسانية لأوكرانيا، حتى وإن أدى الأمر إلى إغضاب روسيا وحلفائها العرب، ودعوة بشار الأسد، حتى وإن أغضبت الولايات المُتحدة وعددًا من القادة العرب.
لقد أريد للقمة العربية 32 من قِبل المملكة العربية السعودية، أن تكون قمّة «لمّ الشمل» و»رأب الصدع»، و»العمل المُشترك»، حتى وإن كان أحيانًا على حساب فقدان إجماع كل القادة العرب بخصوص توجهات القيادة السعودية، لا سيما في ظل التباعد السعودي الإماراتي حول قضايا مُتعددة.
ربما حضر القادة العرب لأنهم لم يستطيعوا رفض الدعوة السعودية لحضور القمة، وغاب آخرون لأنهم رأوا في دعوة الرئيس الأوكراني انحرافًا عن «الحياد العربي» المشكوك فيه أمريكيًا، ثم غادر آخرون لأنهم لم يتقبلوا منح صك براءة لرئيس مسؤول عن مقتل جزء كبير من شعبه، ولجوء جزء أكبر للبلدان المُجاورة دون ضمانات.
وبالتالي، فإن لمّ الشمل المرغوب فيه والمُفتقَد قبل القمة، قد أصبح مفقودًا بعدها.

[email protected]

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X