المنبر الحر
عندما يصبح السقوط والضياع رفعة

لا تجعل الاختيار السيّئ أسلوب حياة

بقلم/ حمزة صالح:

لا زلنا مذ كنا صغارًا نعتقد أن الجودة شيء رئيس في اختيار ما نطعمه أو ما نستخدمه من أدوات؛ ولذا نُقدّر التاجر الصادق صاحب المُنتج الجيد، ونبتعد عن السيئ الكاذب صاحب المُنتج الرديء.

وما زالت الأيام تمضي بنا وبالناس حتى وجدنا من يعدل إلى القبيح ويترك الحسن، ومن يميل للرديء دون الجيد، وذلك في مختلف الأمور بداية من استخدام الألفاظ، واعتناق الأفكار، وحتى اختيار القدوات وطبيعة ونمط الحياة.

ومع ارتفاع نسبة الاختيارات الرديئة، بات من المُهم فَهْم أسباب هذا الأمر، إن أمثلة اختيارات الرداءة باتت واقعًا مُعاشًا قريبًا منا جميعًا، مثلًا اختيار المُشاهدات العنيفة، وارتفاع نسب مُشاهدة الأغاني ذات الكلمات الساقطة، ومُتابعة فناني المهرجانات، والاقتداء بالمُمثلين ولاعبي الكرة؛ الفاقدين في غالبيتهم للأهلية العلمية والاجتماعية.

وعندي مثل آخر من واقع معاش؛ من فترة قرأت مقالًا كتبه أستاذ جامعة مُتحدثًا عن طبيعة المُعاملة التي تلقاها وهو عائد إلى بلده العربي، على نفس طائرة تحمل أحد الفنانين، وكيف مر الفنان دون تفتيش ولا حتى مرور حقائبه على جهاز التفتيش الإلكتروني، بينما خضع هو ونتيجة اعتراض بسيط منه – لطول مدة التفتيش وسؤاله لماذا لم يُفتش النجم الفنان – للتفتيش الذاتي وتفتيش كامل حقائبه بصورة تعسفية قاسية، ولست هنا للحديث عن حقوق الإنسان وحرية الرأي، فلهذا موضع آخر، ولكن شاهدي من القصة هو تبنّي القدوات التافهة وتعظيم ما حقه التصغير والتسفيه، وبالتالي اختيار نمط حياة تافه يُعلي من قيمة المال والشهرة على قيمة العلم واحترام العلماء.

إن التأمل في هذه المشاهد المُتكررة يؤكد اعوجاج الفطرة في النظر والفكر والتطبيق؛ لتلك الأجيال المُتلاحقة والتي حملت فكرة باطلة نحو القدوة ونمط الحياة، فكرة جعلت من السقوط والضياع رفعةً، ومن الرفعة سقوطًا وضياعًا.

إن اختيار السيّئ الرديء في الفكر والقدوة ونمط الحياة؛ أضحى لدى عديد الناس أسلوبَ حياة؛ وليس مجرد عارضٍ مؤقت، ويتصل بذلك بؤسٌ أشد على النفس وأنكى يُسمى الدفاع عن السوء، وهو أقسى على نفسي وأشد ومن ذلك قول بني إسرائيل حين خرج عليهم قارون في زينته «يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» القصص 79.

اعتقاد الناس بأن ما به قارون وكل من شابهه خير عظيم، ومحبة أن يكونوا مثله محض اعوجاج في الفكر وهم بذلك أقرب لقول الإمام أحمد حين سُئل عن أشقى الناس؟ فقال «أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره».

مستشار بناء القيم المهنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X