
بقلم/ عبدالبديع عمر خلف الله:
«نحن بنو الموتى فما بالنا.. نعاف مالا بد من شر به.. حتى قال: يحسبه دافنه وحده ومجده في القبر من صحبه».. هكذا رثى المتنبي عمه أبا شجاع عضد الدولة فما أكثر الموتى العظماء ومن ماتوا ومات معهم تاريخ مهيب، وما أكثر الرؤوس التي تحت التراب لكن فضلها يعلو الجبال والسحاب، وقد اشتهر شعر الرثاء في الحياة القديمة للعرب، بل إن الخنساء على سبيل المثال لا يتذكر الإنسان الحديث منها سوى رثائها لأخيها صخر، فالموت لدى المجتمعات الروحانية ذو شق بيولوجي وذو شق اجتماعي أخلاقي بالدرجة الأولى.
بداية من المهم أن ندرك وجود فجوة مفاهيمية يعيشها الجيل الجديد بين الإقبال على الحياة والشغف من جهة وبين الاستعداد للرحيل وتركِ أثر طيبٍ وحميد دون أن نجعل أرواحهم الجميلة عرضة لليأس والقلق والفزع، قد استحدثت قوقل طريقة خطيرة بأن يمنح الشخص الإذن لها بإغلاق حساباته في حال التوقف عن التفاعل لمدة 9 أشهر وحينما تتأمل في هذه الفكرة تجد أنها بالفعل تحترم الإنسان وتستأمنه على تركته التقنية، أثيرت لمرات عديدة نقاشات حول جدوى إغلاق حسابات الموتى خاصة من لم يتركوا (وصية) لأهلهم، لذا أجد أنها فرصة للتفكير بمصير حساباتنا وأجهزتنا بل لا أجد أي حرج بمشاركة أشخاصنا المقربين مفاتيح الدخول بل لعل هذا يجعل الإنسان يعيد حساباته في حساباته. إن الفهم الصحيح للموت لا يقودنا لليأس بل على العكس يجعل صاحبه أكثر لطافة ورقة، وبخلاف التركة المتطرفة التي تركها الصَّحْوَنْج في عقول جيلي ومن سبقونا بأن التفكر بالموت يقودنا للزهد بالحياة أجد أنهم مخطئون تمامًا، فالوعي يجعلك أكثر تمسكًا بالنمط الصحي وبالعلاقات الصادقة والتواصل الإنساني النبيل، ولنصل لفهم إيجابي علينا فحص الحالة العقلية للمجتمعات والتحيزات الثقافية والإدراك والسلوكيات الأنانية والفجة. بالتأكيد إن النفس البشرية بعد رؤية أول حالة وفاة لشخص عزيز على مرقدها الأخير وقبل الدفن لن تعود كما كانت، هناك من ينهار وهناك من يتبلد وهناك من ينكر عقله ويعيش حالة إنكار لا تنتهي، أسأل الله أن يرزقكم الحياة الطيبة والصحة والعافية.