كتاب الراية

خواطر.. من أين لك هذا؟

لا مقارنة بذلك الزمن حين كُنّا على تواصل وطيد مع صغارنا

سؤالٌ مُرتبطٌ في أذهاننا بالحسد ومُكافحة الفساد، بالتساؤل عن ثراءٍ لا يتَسِق مع دخلٍ معلوم.

هذا التساؤل بالنسبة لأشخاصٍ عاديين مثلي، لا علاقة له بالمال والجاه، لطالما صادفتُ أشخاصًا مُدهشين فنطقته إعجابًا أو كتمته خجلًا.

كلّما جالست أحد البارعين اللامعين، المُتمسكين بتأدية مسؤولياتهم رُغم تقدّمهم بالعمر، وتجدهم أول المُشاركين في الندوات الثقافيّة، والمؤتمرات على مدار العام، وأول القادمين لتأدية الواجبات الاجتماعيّة بالتهنئة والمواساة، أجدني أقول «ما شاء الله تبارك الرحمن وصلِّ الله على سيدنا محمد»، فذِكر الله واجبٌ عند الإعجاب خوفًا من العين، وتجنّبًا لفكرة الاستكثار.

الإعجاب ليس حسدًا، فعَيْن الحاسد تستكثر وتُقارِن بلا إنصاف ولا إعجاب، بل يُصاحبها حسرة غير مُبررة.

والإجابة التي تشرح الصدر، مُجرد استنتاج وقناعة شخصيّة، إنها «بركة الله»، التي إن حلّت بشيء تَيَّسّر وتضاعفَ وأثمرَ، والشيء ليس بالضرورة ماديًّا، بل إن الجانب المعنوي له عظيم الشأن والتأثير في الأنفس والماديّات.

كنت أتعجب من فطنة الأطفال، ومن كَمِّ التساؤلات التي يطرحونها بلا تَوَقّف وهُم يستكشفون دنياهم، فأجيب ما علِمت، إلاّ أنني كثيرًا ما اعترفت بعدم المعرفة، يقينًا إنّه ليس عيبًا ولن يُنقص من شأني، وهلمّوا نبحث عن الإجابة في مجموعة «إنسايكلوبيديا» وهي موسوعة عامّة تشمل العلوم والفنون والمهن.

ولا مقارنة بذلك الزمن، حين كُنّا على تواصل وطيد مع صغارنا، ومُنحنا وإيّاهم مُتعة النقاش والبحث الجماعي عن التساؤلات، قبل أن تُباغتنا شبكة الإنترنت برفقة العم «غوغل»، وتُفرّق شملنا قبل الأوان. حيث توغّل الصغار في أعماق الشبكة العنكبوتية قبل أن نتنبّه لمحاسنها وعيوبها، ونُدرك خطورة بعض المواقع، فاستفاد بعضهم واخترع، بينما ضاع البعض في غورِ التفاهات.

وأعود للتساؤل أعلاه، من أين لك هذا؟

من أين لك هذه المعلومات؟ استطلاع.

من أين لك هذا الأدب؟ التربية.

من أين لك الوقت؟ التنظيم.

من أين لك هذه الشُهرة؟ تقديم الجديد.

من أين لك هذه المحبّة؟ المصداقيّة.

من أين لك هذه الكراهيّة؟ الغرور.

من أين لك هذا التَوجّه؟ مصادر الاطلاع.

التساؤل الإيجابي يكون بهدف التعلّم لا الفضول، والناجح الحقيقي هو الواثق الذي يمنحك أسباب نجاحه بتواضع، ويشعر أنّ عليه تعليم الآخرين.

إن الرغبة والقدرة على البحث في حدّ ذاتها نعمة، لكن البركة تكمن في التقدير لا في الاستكثار، وفي البحث عن الإيجابيّات، وعن الأذكياء الطموحين المُتغافلين عن الانتقادات لسموّ أهدافهم، والمُستثمرين أوقاتهم في الإنتاج، والمُستعدّين للخروج من تَعثّر التجارب بالاستمرار، بعد أن أصبحوا أكثر فهمًا وخبرة.

حرارة الصيف تجعلني أدعو بالرحمة لمن اخترع المكيّف الهوائي والهاتف والسيارة، والدعاء موصولٌ لمُخترع الكهرباء، أم المصادر والتطوّر. أرغب بسؤالهم جميعًا، من أين لكم هذا الانتباه والإصرار والتكرار دون كللٍ أو ملل، لننعم بكل هذا اليُسر.

«من أين لك هذا»، تساؤلٌ إيجابيُّ السمات يؤدّي للتعلّمِ، وإلى الوصولِ إلى مكامن التصنيع والإنتاج، فمن أين لنا أن نُنتجَ عباقرة وعلماء مُصَنّعين، ينتقلون بنا من خانة الاستهلاك إلى خانة الإنتاج! نعم، من أين للغرب كل هذا التقدّم؟

أرفع القُبّعة احترامًا لكل من قاده الفضول فسَلَك طريقًا نفع به الآخرين، ولكل من اخترع ما عاد علينا باليُسر، ولكل من يهتدي ويهدينا إلى سُبل الفلاح.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X