
كان العرب في الجاهلية يُعلقون أفضل القصائد على الكعبة فتأخذ القصيدة ومن نظمها شرف اسم المعلقة، تذكرت تلك المعلقات وأنا أرى بعض القرارات في أماكن العمل مكانها على لوحة الإعلانات فقط لتكسب اسم القرار، ولكنها غير قابلة للتطبيق بسبب طبيعة العمل، جاء إلى العمل مسؤول جديد وبسبب قلة الخبرة صار يبحث عن ثُغْرَة، فالموظفون مُلتزمون واللوائح مُنظمة والتجانس بين أعمال الدوائر المُختلفة في التخصص موجود، والإنتاجية عالية، لكنه أقنع الإدارة بأن هناك ضياعًا في الوقت وتسيبًا، واقترح اتخاذ قرار بمنع الزيارات في المكاتب بين الزملاء، وإلزام الموظفين باستخدام الإيميل -أي الرسائل الإلكترونية- إذا ما كانت هناك حاجة لعمل من الإدارات الأخرى، عُلقت تلك الخطابات، والتزم الموظفون بها فكان العمل الذي يُنجزه الموظف في ساعة صار يأخذ يومًا، لأنه كان من قبل يُنجز بزيارة إلى زميله في المكتب، أما الآن فإن على الزميل أن يرد على الرسالة أو الرسائل من جميع الموظفين، لاحظت الإدارة العُليا التراجع في الإنتاجية، والتأخير في الأعمال، وجلبوا الشركات الاستشارية لفهم المُشكلة والمُساعدة في حلها، ليتبين أخيرًا أنها تلك القرارات التي جاءت ارتجالية وبدون حساب للمردود السلبي على العمل، وأتذكر أنه في أحد البلاد طلبت مؤسسة -تحتها عدة شركات- أن يتم استخدام جهاز البصمة لكن الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات رفض إدخال جهاز البصمة أو كاميرات المُراقبة لرصد الدخول والخروج من موقف السيارات إلى المكتب، واعتبر أن ذلك قد يخدش الثقة بين الشركة والموظف، فما دام الموظفون ملتزمين والثقة مُتبادلة والإنتاجية عالية فلا داعيَ لكل تلك الأجهزة إضافة إلى أنه سيكون هناك توفير في مصروفات الأجهزة، العجيب ما حصل بعدها! فقد ثمّن موظفو تلك الشركة ثقة رئيسهم فيهم وزادت إنتاجيتهم والتزامهم، بدون أجهزة البصمة وكاميرات المراقبة في الممرات.
المحصلة أنه حين يكون القرار غير محسوب النتائج أو غير قابل للتطبيق على الأرض، تكون هناك تكلفة سلبية ونتائج غير محسوبة، هذه أمثلة من قرارات المُعلقات، تخرج من حين إلى آخر، وتتفتق عنها عقول بعض المسؤولين غير المؤهلين.